الأربعاء، 11 يونيو 2014

حكم التحكيم

المبحث الأول
مفهوم حكم التحكيم
    لمعرفة حكم مفهوم الحكم التحكيمي لابد من الوقوف على التعريفات التي قيلت فيه, وأنواعه, وكذا مدى إلزامية هذا الحكم.
المطلب الأول
تعريف حكم التحكيم و أنواعه
    تكمن أهمية حكم التحكيم في معرفة أي القرارات و الأحكام الصادرة عن المحكم, و التي يتعين وصفها أنها أحكام تحكيمية تختلف عن غيرها من القرارات الإجرائية و التي تفصل في مواضيع إجرائية.
    و بالرغم من أن معظم الأنظمة القانونية, و الإتفاقيات الدولية أولت اهتماما بالغا بنظام التحكيم  وأفردت لها نصوص واسعة, إلا أن أغلبها لم يتعرض إلى المقصود بالحكم التحكيمي و لم تحدد له تعريف واضح, و إن كانت إتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف و تنفيذ الأحكام الأجنبية 1958 . قد تضمنت نص فيما يتعلق بالمقصود بالحكم التحكيمي حيث جاء في نص المادة 1/2 منها أنه " يقصد بالحكم التحكيمي ليس فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين للفصل في حالات محددة, بل أيضا الأحكام الصادرة من هيئات تحكيمية دائمة يحتكم إليها الأطراف", إلا أن هذا التعريف لا يمكن اعتباره كاملا.[1]   
    و عند الوقوف عند تعريف  حكم التحكيم تتجلى أنواعه.



الفرع الأول
تعريف حكم التحكيم
    أمام غياب تعريف قانوني لحكم التحكيم , سواء على مستوى التشريعات الوطنية لكل دولة , أو في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية التي عنت بتنظيم كل ما يتعلق بالتحكيم, فإن الفقه تصدى لهذه المهمة وانقسمت الآراء في الصدد تعريف الحكم التحكيمي إلى اتجاهين.
    أولا: الاتجاه الموسع لتعريف حكم التحكيم
و هو الاتجاه الذي يوسع من نطاق حكم التحكيم على نحو يجعله يشمل ليس فقط الأحكام التي تفصل في المنازعة على نحو كلي, بل و أيضا تلك التي تفصل في أحد عناصر المنازعة بشكل جزئي.
    فقد ذهب الأستاذ كويلا رد إلى تعريف الحكم التحكيمي بأنه القرار الصادر عن المحكم الذي يفصل بشكل قطعي على نحو كلي أو جزئي في المنازعة المعروضة عليه, سواء تعلق هذا القرار بموضوع المنازعة ذاتها , أو بالاختصاص أو بمسالة تتعلق بالإجراءات أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة.
    و بالتالي فالقرارات الصادرة عن المؤسسات التحكيمية التي يعمل المحكم في إطارها لا تعتبر أحكام تحكيمية, و مثال ذلك القرار الذي يصدر عن محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس فيما يتعلق بطلب رد المحكم, فلا يعتبر حكم تحكيمي, كما أن الإجراءات التي يتخذها المحكمون و التي لا تهدف إلى الفصل في النزاع مثل إجراءات التحقيق في الدعوى و التي لا تعتبر إلا مجرد إجراءات إدارية ذات طابع قضائي لا يجوز الطعن فيها.[2]
    أما القرارات الصادرة عن المحكم و المتعلقة بالفصل في اختصاص المحكمة, أو تحديد القانون الواجب التطبيق,أو بصحة العقد, أو بتقرير مسؤولية أحد الأطراف فأنها أحكام تحكيمية حقيقية حتى و لو لم تفصل في المسائل المتنازع عنها على نحو كلي و لا يمكن ترجمتها في صورة إلزام مالي مباشر.[3]               
    وهذا ما أشارت إليه مقالة الأستاذ كويدار في البند 11 منها. 
Les décisions rendues par les arbitres sur la compétence ; la loi applicable ; la validité d`un contra ; de responsabilité par exemple constituent en revanche de véritables sentence arbitrales même si elles ne tranchent pas liniegralite des questions litigises ne se traduisent pas immédiatement par une candamnation pécuniaire.   
    كما يرى هذا الاتجاه أن القرارات الصادرة عن المحكم و التي لا تفرض على الأطراف إلا بناءا  عن قبولهم الصريح لها لا تعد أحكاما تحكيمية, فالقرار الصادر عن المحكمة التحكيمية و الذي أطلق عليه قرار من الدرجة الأولى لا يتحول إلى حكم تحكيمي إلا إذا وافق الأطراف على مشروع الحكم التحكيمي, و في حالة تحقق هذا القبول تعرض المنازعة على محكمة تحكيمية من الدرجة الثانية تصدر حكم نهائي لا يمكن أن يكون محلا للطعن فيه بالبطلان. وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في 1 يونيو 1987 .[4]
    فقد تعرضت محكمة استئناف باريس بتاريخ 5 مارس 1994 إلى أن المقصود بحكم التحكيم أعمال المحكمين التي تفصل بشكل حاسم و نهائي كليا أو جزئيا في النزاع المعروض عليهم, سواء كان هذا الحكم في الموضوع أم الاختصاص, أم في مسالة إجرائية تؤدي بهم إلى إنهاء الخصومة.
    و لقد وجه بعض الفقهاء انتقاد إلى هذه التعريفات الموسعة لحكم التحكيم كونها تدخل في تعريف الحكم بعض من أوصافه, فالحكم له جوهر و له أوصاف و له أثار, ولا  يجوز خلط هذه الأمور معا.[5]
    ثانيا: الاتجاه الضيق لتعريف حكم التحكيم
وهو الاتجاه الذي يدافع عليه الفقه السويسري حيث اعتبر أن القرارات الصادرة عن محكمة التحكيم حتى تلك المتصلة بموضوع المنازعة و التي لا تفصل في طلب محدد لا تعد أحكام تحكيمية إلا إذا أنهت بشكل كلي أو جزئي منازعة التحكيم. و يعتبر هذا الاتجاه استثناء عن ما هو موجود لدى غالبية الفقه السويسري الذي تبنى الاتجاه الموسع.

    و استنادا إلى التعريف الضيق فإن القرارات التي تفصل في المسائل المتصلة بالموضوع كصحة العقد الأصلي, و مبدأ المسؤولية لا تعد أحكاما تحكيمية , و لا تعدو أن تكون مجرد أحكام تحضيرية و أولية لهذا لا يمكن أن تكون محلا للطعن.[6]
    كما يرى الأستاذ محمد بدران أن حكم التحكيم يجب أن يكون قاصرا على الأحكام التي تصدره محكمة التحكيم و التي تفصل بشكل نهائي في القضايا التي تناولها مما يعني ضرورة التميز بين الأحكام المتعلقة بالموضوع و بين الأوامر و التوجيهات الإجرائية المتعلقة بسير إجراءات التحكيم التي تساعد على دفع التحكيم إلى الأمام فهي تتعامل مع مسائل مثل تناول الأدلة المكتوبة , و تجهيز الوثائق و عقد الجلسات و ليس لهذه الأوامر وصف أحكام التحكيم.[7]
    ثالثا: الإتجاه المرجح
من خلال بيان هذين الاتجاهين في تعريف حكم التحكيم يتبين أن غالبية الفقه يتبنى الاتجاه الأول و هو الاتجاه الموسع, بحجة أن اختيار الأطراف للتحكيم كوسيلة لفض نزاعهما كان بهدف التوصل إلى حلول ملائمة لهذا النزاع دون أي خصومة, و احتراما لهذا الهدف لابد من الأخذ بهذا المعنى الموسع للحكم التحكيمي, و هذا حتى لا يستمر الأطراف في المنازعة أمام المحكم في حالة حكمه مثلا باختصاصه على الرغم من أن هذا الحكم التحكيمي لو طعن فيه بالبطلان أمام محكمة الدولة التي صدر حكم التحكيم على إقليمها لإنتهت الأمر ببطلانه و فقد المحكم اختصاصه بالفصل في موضوع المنازعة, بالرغم من أن هذه المسالة لا تتعلق بموضوع النزاع بشكل مباشر إلا أنها تفصل فيه و لو بشكل جزئي, و استنادا لهذا يمكن أن تستثنى مجموعة من القرارات و التي لا تعتبر أحكام تحكيمية بالمعنى الفني الدقيق, فالقرارات الصادرة عن محكمة التحكيم و المتعلقة بتحديد زمان و مكان انعقاد الهيئة التحكيمية, أو تأجيل نظر الدعوى للإطلاع و الاستعداد لا تعد أحكام تحكيمية فمحكمة التحكيم لا تستنفذ بها ولايتها, و نفس الشيء بالنسبة للقرارات التي تهدف إلى إعداد الخصومة للفصل فيها مثل القرار بندب خبير, أو معاينة مكان أو سماع شهود.[8]

الفرع الثاني
أنواع حكم التحكيم
    تختلف أنواع حكم التحكيم باختلاف الزاوية التي ينظر منها.
      أولا : من حيث حسما لنزاع
فأحكام التحكيم تنقسم إلى الاحكام التي تفصل النزاع المعروض على المحكم للفصل فيه بصفة قطعية, و أحكام أخرى تفصل في جزء من الخصومة فقط.
     1 – أحكام التحكيم المنهية للخصومة أو القطعية
و هي الأحكام التي تحسم النزاع لأنها تفصل في كل المسائل المتنازع عليها, حيث تتضمن إنتهاء المحكم من مهمته على نحو تام يؤدي إلى إستيفاء ولايته , و بالتالي يعتبر هذا الحكم نهائي سواء فيما يتعلق بإنهائه لإجراءات التحكيم و بالتالي مهمة المحكم , أو فيما يتعلق بحله للنزاع برمته.و قد نص عليها المشرع الجزائري في المادة 1031 ( ق ا م ا), و نفس الشيء تعرضت إليه المادة 21 فقرة 1  
من لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس بأن حكم التحكيم النهائي هو الذي ينهي الإجراءات التحكيمية.[9]
     2 – أحكام التحكيم الجزئية
و هي الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم في مرحلة قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها, فهي قد تفصل أو قد تنهي بعض المسائل الجزئية من النزاع, و لكنها لا تكون حكم منهي للخصومة بل أحكام تنظم سير هذه الخصومة. [10]
    و لإصدار الأحكام الجزئية أهمية بالغة باعتبارها تلعب دور في حل المنازعات المعقدة, و التي تتفرع عنها الكثير من المشاكل المستقلة إذ أن صدور هذه الأحكام الجزئية و لاسيما من قبل هيئات التحكيم ذات الخبرة قد يفيد كلا الطرفين.
حيث أن هذه الأحكام قد توفر وقت و أموال ضخمة بمجرد صدورها, و هناك من يطلق عليها صفة النهائية بإعتبارها ملزمة للأطراف في الجزئية التي صدرت فيها.
    و يصدر المحكم هذه الأحكام في الحالات التي تمنح فيها للمحكمين السلطة للفصل في جزء من المنازعة. [11]
    و مثال ذالك الحكم الصادر لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع, أو القرار الخاص باختصاص المحكم, أو الذي يحدد مسؤولية أحد الأطراف دون التعرض إلى مقدار التعويض.[12]
     ثانيا: من حيث حضور الأطراف
وتنقسم أحكام التحكيم من هذا المنظور إلى أحكام حضورية من جهة, و أحكام غيابية من جهة أخرى.     1 – حكم التحكيم الحضوري 
و هو الحكم الذي يصدر بناء عن الوثائق و المذكرات المقدمة من قبل المدعي و المدعى عليه خلال المرحلة السابقة, و ذلك بحضور الطرفين لهذه الإجراءات و تقديم دفوعهما و طلباتهما, مما يدل على احترام حق الدفاع و معاملة الأطراف على قدم المساواة.
     2 – حكم التحكيم الغيابي
و هي الحالة التي يصدر فيها حكم التحكيم برغم من عدم حضور أحد أطراف المنازعة لجلسات التحكيم, بشرط أن يكون هذا الطرف قد تم تبليغه و إعلامه بمواعيد الجلسات مما يؤكد مراعاة حق الدفاع و المعاملة المتساوية للأطراف, و بالتالي فإن غياب هذا الطرف لا يؤثر على سير إجراءات التحكيم, و على هيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم و إصدار حكم للنزاع استنادا غلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها, و هذا ما نصت عليه قواعد اليونسترال حيث اعتبرت أن عدم حضور أحد الطرفين أو عدم إبداء دفاعه لا يعتبر تسليما منه بإدعاءات الطرف الأخر, و إذا لم يحضر أحد الطرفين أو لم يبدي دفاعه في أي مرحلة من مراحل الاجراءات يجوز لطرف الأخر أن يطلب من

المحكمة أن تفصل في المسالة المطروحة عليها و تصدر حكما, لكن يجب على المحكمة قبل أن تصدر هذا الحكم أن تخطر الطرف الذي لم يحضر أو لم يبدي دفاعه, أو تعطيه مهلة إلا إذا كانت مقتنعة أن ذلك الطرف ليس في نيته القيام بذلك.[13]
    ثالثا: من حيث الفترة التي يصدر فيها
وتنقسم الاحكام التحكيمية في هذا الصدد إلى أحكام صادرة قبل الفصل في موضوع النزاع, و أخرى بعد الفصل في موضوع النزاع.
    1 – الأحكام الصادرة قبل الفصل في موضوع النزاع
يشمل هذا النوع كل الأنواع التي سبق ذكرها سواء الحاسمة للنزاع أو الجزئية, و سواء كانت حضورية أو غيابية.
    2 – الأحكام الصادرة بعد الفصل في موضوع النزاع
الأصل أن بصدور الحكم الفاصل في النزاع تنتهي مهمة المحكم ولا يحق له فيما بعد تعديل هذا الحكم, إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناء لأنه في بعض الأحيان قد يصدر الحكم و يكتنفه بعض الغموض و يصعب معه الوصول إلى الحقيقة, أو يقع المحكم في بعض الأخطاء المادية أو الكتابية أو الحسابية و التي لا يؤدي تصحيحها إلى تعديل الحكم, أو قد يغفل المحكم الفصل في بعض الطلبات التي طلبها الأطراف أثناء سير الدعوى.[14]
و لهذه الأسباب تمتد مهمة المحكم إلى ما بعد صدور الحكم التحكيمي, و تتمثل هذه الأحكام التي يمكن أن يصدرها في حالة توفر الحالات المذكورة فيما يلي:



     أ – أحكام التحكيم الإضافية
و هي الاحكام التي يلجا المحكم إلى إصدارها بطلب من أطراف النزاع في حالة إغفاله الفصل في مسالة سبق و أن طلبها الأطراف أثناء السير في الخصومة و لم يقم المحكم بالفصل فيها. وهذا ما نصت عليه قواعد اليونسترال في المادة 39 , و المادة 1030 من قانون الإجراءات المدنية و الادارية.
     ب – أحكام التحكيم التفسيرية
و في هذه الحالة يجوز لكل من طرفي النزاع أن يطلب من هيئة التحكيم تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض, و على طالب التفسير إعلام الطرف الأخر بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم, خلال 30 يوم من تسلمه لحكم التحكيم و على هيئة التحكيم إصدار هذا التفسير خلال 45 يوم التالية لتقديم الطلب و يجوز للهيئة مد هذه المدة مرة ثانية إن رأت ضرورة في ذلك, و هذا حسب المادة37 من قواعد اليونسترال المنقحة في 2010 .  
    هذا و يعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم و هذا ما نص عليه المشرع المصري في المادة 49 من قانون التحكيم المصري.[15]
    أما المشرع الجزائري فقد إكتفى بالنص على إمكانية إصدار مثل هذه الأحكام دون تحديد تفاصيل ذلك و هذا بموجب المادة 1030 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.[16]
   و نفس الشيء ذهب إليه المشرع الفرنسي في المادة 1475 من قانون المرافعات الفرنسي, إلا أن هذه المادة أضافت أنه في حالة تعذر إنعقاد محكمة التحكيم من جديد فهذه المهمة تختص بها السلطة التي كان ينعقد لها الإختصاص في حالة عدم وجود التحكيم.



    ج – تصحيح حكم التحكيم
يصدر هذا الحكم في الحالة التي يعتري فيها الحكم التحكيمي خطأ مادي بحت و يقصد به الخطأ في التعبير و ليس في التفكير , أي أن المحكم إستخدم أسماء و أرقام غير تلك التي كان يجب أن يستخدمها للتعبير عما في ذهنه.
    و قد جاءت محكمة النقض المصرية بتعريف الأخطاء المادية بأنها :" تلك الأخطاء التي ترتكبها المحكمة في التعبير عن مرادها و لا تأثير لها على ما إنتهى إليه الحكم في قضائه, أو أنها الأخطاء التي لا تؤثر على كيان الحكم بحيث تفقده ذاتيته و تجعله مقطوع الصلة بالحكم الصحيح".
    فالأخطاء الكتابية هي التي تشمل كل أخطاء السهو التي تظهر في الحكم , سواء كانت أسماء أو أرقام أو بيانات غير تلك التي يجب ظهورها, أو الخطا في ذكر رقم العقار محل النزاع, أو في تاريخ إصدار الحكم ...
    أما الأخطاء الحسابية فهي الخطأ في العمليات الحسابية سواء بجمعها أو بطرحها أو بضربها.[17]
و بالتالي لا يصح أن يصبح التصحيح وسيلة لإعادة النظر, و تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الهيئة التحكيمية عند تطبيقها للقانون الواجب التطبيق, أو مراجعة تقديرها لما إرتاته محققا للعدالة أذا كانت مفوضة للحكم وفقا لقواعد العدالة و الإنصاف و إذا تجاوزت الهيئة حدود التصحيح المادي على هذا النحو جاز التمسك ببطلان قرارها.[18]





المطلب الثاني
القوة الإلزامية لحكم التحكيم
    يتمتع الحكم التحكيمي بمجرد صدوره بالقوة الإلزامية و التي تستمد أولا من إتفاق الأطراف أي من توقيعهم لإتفاق التحكيم, و عادة ما يتم التعبير عليه صراحة في هذا الإتفاق بإدراج عبارة "أ ن قرار التحكيم يعتبر ملزم ونهائي".[19]
    كما تستمد هذه الإلزامية من إعتبار أن المحكم يقوم بنفس الوظيفة التي يقوم بها القاضي و يصدر حكما ملزم للخصوم, و يتمتع بالحجية على نحو يؤدي إلى عدم إمكانية عرض نفس المنازعة التي صدر بشأنها حكم التحكيم على القضاء العام مرة أخرى أو على قضاء التحكيم.[20] 
وهذا ما أكدته النصوص القانونية في مختلف الدول, فقد نص المشرع الجزائري في المادة1030 من  
"ق إ م إ " أن أحكام التحكيم تحوز حجية الشيء المقضي فيه فيما يخص النزاع المفصول فيه.[21]
كما تنص المادة 1476 من قانون المرافعات الفرنسي أنه تكون لحكم التحكيم منذ صدوره حجية الشيء
المقضي فيه فيما يتعلق بالخلاف الذي يحسمه.[22]
    و من خلال هذه الخاصية التي يتميز بها حكم التحكيم يدق التميز بينه و بين مجموعة من الأنظمة المشابهة له, بالإضافة إلى التطرق إلى موقف الشريعة الإسلامية من الزامية حكم التحكيم.




الفرع الأول
التميز بين التحكيم و الأنظمة المشابهة له
   هناك العديد من الأنظمة التي تهدف إلى حل النزاعات الناشئة عن الأفراد بعيدا عن اللجوء إلى القضاء مثل : الوساطة, الصلح, و يمكن الحديث كذلك عن القرار الذي يصدر عن المهندس الإستشاري في عقود الفيديك.
    1-التميز بين التحكيم و الوساطة( التوفيق)
يعتبر كلاهما التحكيم و الوساطة و سيلة لحل النزاعات الناشئة بين الأفراد, و يتطلب كلاهما تدخل طرف من الغير يعهد إليه بأداء المهمة, و هو الذي يعرف بالمحكم في نظام التحكيم و الوسيط في نظام الوساطة.
   و يدق التميز بينهما فيما يتعلق بمحل تطبيقهما, فالوساطة كوسيلة سلمية لحل النزاعات بين الأفراد تتمتع بنطاق أوسع بالمقارنة مع التحكيم من جهة [23] , و من جهة أخرى فهي التي تؤكد عن التميز حكم التحكيم بالقوة الإلزامية بمجرد صدوره عن هذه الأنظمة حيث أن الوساطة  و التوفيق هي اتفاق الأطراف على محاولة إجراء تسوية ودية عن طريق الموافقة, و يتولى الموفق تحديد مواضيع النزاع و يقدم مقترحات التي قد تحظى بقبول الأطراف أو لا تلقى منهم قبول. فهو لا يصدر قرارات و إنما يقدم مقترحات يضل أمره معلق على قبول الأطراف, فإذا لم تفلح المحاولة كان باب التقاضي مفتوحا لأطراف النزاع.[24]
    أما المحكم فإنه يصدر حكم حاسم في النزاع فقد يلبي كل طلبات احد الأطراف و يرفض طلبات الطرف الأخر, و بالتالي يتمتع بحجية الشيء المقضي فيه منذ صدوره بينهما.[25]

  
     2- التمييز بين التحكيم و الصلح
يعتبر كل من التحكيم و الصلح وسيلة لفض المنازعات بين الأطراف, حيث يشبه الصلح الشرط التحكيم إذا كان وقائيا أي سابق للنزاع كما يشبه إتفاق التحكيم إذا كان لاحق عن النزاع.
    لكن يختلفان في أن الصلح هو ثمرة تفاوض مباشر بين الأفراد لانهم لا يختارون شخص أخر للتوفيق بينهم إنما ينصدون مباشرة لفض النزاع, على عكس التحكيم الذي يقوم فيه أطراف النزاع بتخويل المحكم سلطة الحسم النزاع و هذا ما نصت عليه المادة 990 من( ق إ م إ د) حيث تنص على أنه يجوز للخصوم التصالح تلقائيا.
   و الفارق الأهم الذي يبين لنا تمتع الحكم التحكيمي بالإلزامية هو أن التحكيم ينتهي بقرار حاسم قابل للتنفيذ مباشرة بعد وضع الصيغة التنفيذية دون أن تمتد سلطة قاضي التنفيذ للنظر في الموضوع, أما قرار الصلح فلا يقبل التنفيذ إلا بعد تصديق القضاء الذي يجعله صالحا لإمكانية وضع الصيغة التنفيذية. [26]
  فقد نصت المادة 993 من (ق إ م إ د) يعد محضر الصلح سند تنفيذي بمجرد إيداعه بأمانة الضبط.
     3 – تمييز التحكيم عن القرارات الصادرة عن المهندس الاستشاري  في عقود الفيديك
يقصد بعقد الفيديك العقد الذي وضعه الإتحاد الدولي للمهندسين الإستشارين الخاص بحكم العقود الدولية للتشيد و الهندسة المدنية.
    و مثل هذا العقد يفترض وجود 3 أشخاص رب العمل, المقاول, و المهندس الاستشاري و الذي يعينه رب العمل و يدفع له أجرته, ففي حالة نشوء منازعة بين المقاول و رب العمل يتعين على المهندس في ظرف 84 يوم لعرض المسالة عليه أن يصدر قراره, و يتعين على الأطراف تنفيذ هذا القرار. أما في حالة رفض أحد الأطراف لهذا القرار يتعين عليه في ظرف 70 يوم التالية لتبليغه للقرار أن يعترض عليه, و الذي يتم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس, و للمحكمة كامل بشان تعديله, أو إلغائه.

   و بالتالي فهذا القرار يعد خطوة سابقة عن التحكيم, فمهمة المهندس لا تعد تحكيما بالمعنى الفني الدقيق باعتبار أن المهندس الاستشاري غير ملزم بإتباع إجراءات قضائية قبل أن يصدر قراره.
    و بالرغم مما تقتضيه مصلحة استمرار الأعمال من الانصياع إلى هذا القرار في الحال إلا أنه لا يعد قرار نهائي إلا إذا تم تأييده من قبل حكم التحكيم الذي سوف يصدر من هيئة التحكيم في ظل قواعد غرفة التجارة الدولية , و بالتالي في حالة تدخل الهيئة التحكيمية و أصدرت حكم بتعديل القرار أو إلغائه فان هذا القرار يعد معدوما و كأنه لم يكن. [27]
الفرع الثاني
موقف الشريعة الإسلامية
   اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية حول صفة القرار التحكيمي قضائية أو تعاقدية, مما يستتبع الاختلاف في المصدر الذي يستمد منه الحكم إلزامية.
    فوفقا لرأي منسوب إلى الإمام الشافعي أن الصفة الإلزامية للقرار التحكيمي ترتكز على إرادة الاطراف, و أن موافقة هؤلاء هي ضرورية لتنفيذ القرار التحكيمي حتى بعد صدوره.
    ألا أن القرار الراجح و المنسوب إلى الإمام الشافعي فإن القرار التحكيمي مستقل عن إرادة الأطراف و منذ صدوره و يصبح في هذه الحالة ملزما لهم. فهذه النظرية تعتبر القرار التحكيمي بمثابة الحكم القضائي, و تصبغ عليه صفة قضائية و يستندون في هذا أن السلطة العامة موضوعة تحت تصرف المحكم يمكنه من فرض الاحترام لقراره فله سلطة الامر و الحبس في حالة وجود أي إمتناع عن تنفيذ قراره.
    و يجب ان المحكم بالصفات و الأهلية التي تخوله أن يكون قاضيا, لكن يقتضي التنويه في مطلق الاحوال بأن القرار التحكيمي بالرغم من أن له الصفة القضائية إلا أنه يختلف عن الأحكام القضائية, فإذا كان القرار التحكيمي له الصفة التنفيذية فإن المحكم لا يتمتع بسلطة التنفيذ و يحتاج لتدخل من القاضي ليتمكن من تنفيذ قراراته.[28]
المبحث الثاني
صدور الحكم التحكيمي
    بعد الإنتهاء من جميع الإجراءات الواجب إتباعها فإن المحكم أو الهيئة التحكيمية ملزمة بإصدار قرارها الحاسم في النزاع خلال المدة المحددة لها, و يجب أن يصدر هذا الحكم وفق مجموعة من الشروط مما يجعله صحيحا و يمكن من ترتيب أثاره.
المطلب الأول
مضمون الحكم التحكيمي وشروط صدوره
    سبق و أن قلنا أن الحكم التحكيمي هو عبارة عن ثمرة للمجهودات التي قام بها الأطراف منذ اختيارهم اللجوء إلى التحكيم, و قيامهم بكامل الإجراءات و تقديم الوثائق و المذكرات, هذا من جهة و من جهة أخرى يعتبر هذا الحكم التحكيمي الحد الفاصل لمهمة المحكم إن كان وحيدا بعدما يكون قد إطلع على الوثائق و دققها, أو الهيئة التحكيمية التي تكون قد أجرت المداولة و توصلت إلى قرار نهائي.
      و غالبا ما يتخذ هذا القرار بالأغلبية و هذا ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 1026 من (ق إ م إ د). أما في حالة عدم تحقق الأغلبية فإن أغلب القواعد التحكيمية تعطي للمحكم الرئيس أن يتخذ القرار و يوقعه هو وحده و هذا ما جاءت به المادة 19 من قواعد غرفة التجارة الولية.
     كما يشترط الشكل الكتابي حيث تفرض معظم التشريعات إصدار الحكم كتابتا و يتم تأكيده عن طريق التوقيع و هذا ما أخذت به أغلب أنظمة التحكيم.[29]
ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّو هذا لكي يتسنى وضعه لدى المحكمة المختصة لإضفاء الصيغة التنفيذية عليه و هذا حسب المادة 34 فقرة 2 من قواعد الانسترال, و المادة 31 من القانون النموذجي لهذه اللجنة و نفس الوضع في القواعد التحكيمية. [30]
   كما يستنتج هذا الحكم من نص المادة 1028 من (ق إ م إ د) التي نصت على مجموعة من البيانات
التي يجب أن تدون في الحكم , كما يصدر عادة باللغة التي تم استعمالها في الإجراءات و التي يكون الأطراف قد اتفقوا عليها و في حالة عدم الاتفاق يتم الرجوع إلى قانون الإجراءات المطبق على الإجراءات لمعرفة ذلك , كما يمكن لهيئة التحكيم تحديد اللغة أو اللغات المستعملة مع احترام ما قد يكون الأطراف قد إتفقو عليه حسب المادة 17 من قواعد اليونسترال.
    و تحقيقا للسرعة التي ينشدها الأطراف من إخضاعا نزاعهما للتحكيم يجب على المحكم أن يصدر حكمه خلا المدة التي اتفق الأطراف عليها, حيث يفضل عدم ترك تحديد هذه المدة للمحكمين لأن ذلك سيؤدي إلى خطر الامتناع عن الحكم. أما في حالة عدم إنفاق الأطراف فيسار إلى تطبيق القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق, فقد نصت المادة 1456 من قانون المرافعات الفرنسي أنه إذا لم يحدد الأطراف المدة فلا تستمر مهمة المحكمين ألا ستة أشهر, أما الجزائري فقد نص في المادة 1018 من ( ق إ م إ د) بأن إتفاق التحكيم يكون صحيح و لو لم يحدد أجل لإنهائه و في هذه الحالة يلزم المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف 4 أشهر تبدأ من تاريخ تعينهم أو من تاريخ إخطار محكمة التحكيم, غير انه يمكن تمديد هذا الأجل بموافقة الأطراف و في حالة عدم الموافقة عليه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم و في غياب ذلك يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة.[31]
    و يجب أن يتضمن هذا الحكم مجموعة من البيانات سواء من الناحية الشكلية, أو الموضوعية مما يمكن بعد تدوين هذه البيانات كلها في الحكم من ترتيب أثاره و هذا ما سنتناوله فيما يلي.
الفرع الأول
محتويات حكم التحكيم
  لكي يكتمل الحكم التحكيمي لا بد أن يتضمن مجموعة من البيانات شكلية و أخرى موضوعية و قد نصت عليها المادة 32 من قواعد الانسترال و المادة 1028 من (ق إ م إ د). 
    أولا : البيانات الشكلية
و تتمثل هذه البيانات فيما يلي:

    1 – ذكر أسماء المحكمين المصدرين للقرار التحكيمي
  فقد جرت العادة على ذكر أسمائهم و صفاتهم و عناوينهم و أسم الطرف الذي عينه و كيفية تعين المحكم الرئيس.
    2 – ذكر أطراف النزاع
  و هم المدعى و المدعى عليه حيث يتم ذكر الإسم الكامل لكل طرف و عنوانه و إذا كان شخص معنوي فيذكر إسم الشخص المعنوي و مركز أعماله, بالإضافة ألى أسماء المحامين أو المستشارين لكل طرف في حالة وجودهم.[32]
     3 – ذكر تاريخ و مكان إصدار الحكم التحكيمي
    ولذكر تاريخ صدور الحكم أهمية بالغة فمن خلاله يتحدد ما إذا كان الحكم قد صدر ضمن المدة المقررة سواء بإتفاق الأطراف أم بنص القانون, لأن صدوره بعد فوات الأوان يجعل الحكم باطلا.
  كما أن لذكر مكان صدور الحكم أهمية في تحديد نوع القرار أجنبي أو وطني و هذا بموجب المادة 1 من إتفاقية نيويورك. و المبدا المستقر عليه في المجال الدولي أن مكان التحكيم هو مكان صدور الحكم و إن جرت المداولات في أماكن مختلفة و هذا ما نصت عليه المادة 16 من قواعد الانسترال, و في حالة عدم ذكره لا يؤدي ذلك إلى بطلان القرار إنما تقام قرينة بأنه مكان التحكيم.[33]     
        4 – توقيع المحكمين
  وقد نص المشرع الجزائري عليه في المادة 1229 من (ق إ م إ د) حيث أشار من خلالها إلى أن أحكام التحكيم توقع من جميع المحكمين و في حالة إمتناع الأقلية عن التوقيع يشير بقية المحكمين إلى ذلك و يرتب الحكم أثاره بإعتباره موقعا من جميع المحكمين.


    5 – الإشارة إلى إتفاق التحكيم     
   هناك بعض القوانين تستوجب الإشارة إلى إتفاق التحكيم عكس البعض الاخر كما هو الحال بالنسبة للمشرع الجزائري الذي لم يشر أليها في المادة 1028 من ( ق إ م إ د) , لكن غالبا ما تتم الشارة إليها في معظم القرارات التحكيمية الدولية بهدف توضيح التفاصيل التي إتفق الاطراف عليها حول كيفية إجراء التحكيم.[34]
    ثانيا: البيانات الموضوعية
و تتمثل هذه البيانات فيما يلي
    1 – منطوق الحكم
   و هو نتيجة لما توصلت إليه الهيئة التحكيمية من نتائج نهائية في كيفية حسم النزاع بالفصل في طلبات الخصوم, و يمثل الرأي الأخير للمحكم أو الهيئة.
   فهو الذي يبين الحكم على أحد الأطراف لمصلحة الطرف الأخر أو ما يجب ان يقوم به كل منهما لكي ينتهي النزاع, و يجب ألا يخرج عن موضوع النزاع و ان يفصل في كل المسائل المطروحة و في حالة إغفال ذلك جاز للطرفين الطلب من المحكمين إصدار أحكام إضافية أو تفسيرية أو تصحيحية و التي سبق ذكرها.
    2 – مصاريف التحكيم
و عادة ما يتم ذكر مصاريف التحكيم في القرار التحكيمي و كيفية توزيعها و نسبة تحمل كل طرف  
و يعتمد المحكم في تقديره لهذه المصاريف على القواعد التحكيمية أو القانونية المطبقة على التحكيم إن كانت تشير إلى ذلك, أو إتباع ما جاء في إتفاق الأطراف و هذا ما جاءت به محكمة إستئناف باريس في 20 مارس 1986 حيث حكمت بإبطال ما ذهب إليه المحكمون بتحميل طرف واحد لمصاريف التحكيم في حين أن الطرفين قد إتفق على تقسيم المصاريف.  [35]

    3 – ملخص لطلبات الخصوم و أقوالهم و المستندات المقدمة
     فقد جرت العادة على ذكر موضوع النزاع الذي دفع بالأطراف إلى اللجوء إلى التحكيم و ملخص عن موضوع النزاع , وكذلك طلبات المدعى و رد المدعى عليه و جميع أوراق الإثبات التي قدمت في القضية.[36] وهذا ما ذهبت إليه المادة 1027 من ( ق إ م إ د) حيث تنص بأنه يجب أن تتضمن أحكام التحكيم عرضا موجزا لإدعاءات الأطراف و أوجه دفاعهم.
    4 – تسبيب الحكم
     حيث تنص معظم التشريعات على وجوب تسيب الحكم التحكيمي شأنه في ذلك شأن القرار القضائي و إلا كان باطلا لمخالفته للنظام العام, في حين ذهب القضاء الفرنسي إلى التفريق بين النظام العام الداخلي و النظام العام الدولي حيث يعتبر عدم تسبيب الحكم التحكيمي الداخلي يجعله باطلا, أما فيما يتعلق بالقرار التحكيمي الدولي فإن عدم تسبيبه لا يجعله مخالف للنظام العام الدولي ما دام القانون أو القواعد الإجرائية للتحكيم لا تلزمه بذلك, و هذا ما أكدته محكمة استئناف تونس بسبب قرار صادر في إنجلترا التي لا يفرض قانونها التسبيب.
    أما عن القواعد التحكيمية فقد نصت معظمها على أن القاعدة هي وجوب تسبيب الحكم التحكيمي ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.( المادة 32 من قواعد الانسترال) , و يلاحظ أن قواعد الغرفة التجارية العربية الأوربية و غرفة التجارة الدولية لم تشر إلى ضرورة تسبيب القرار على عكس إتفاقية واشنطن, و الإتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري.[37]
   أما المشرع الجزائري فقد ذهب إلى وجوب تسبيب الحكم التحكيمي وهذا بموجب الفقرة الثانية من المادة 1027 ( ق إ م إ د).




الفرع الثاني
شروط صحة حكم التحكيم
  بالإضافة إلى البيانات السابق ذكرها لا بد أن تتوفر مجموعة من الشروط لصحة حكم التحكيم حتى يتسنى تنفيذه.
  1 – أن يصدر الحكم بصدد نزاع قائم فعلا بين أطرافه
حيث يشترط أن يكون هناك نزاع حول موضوع معين بسبب علاقات قانونية ذات طابع إقتصادي أيا كانت العلاقة عقدية أو غير عقدية.
  2 – أن يكون الحكم قطعي
و هو الذي يفصل في جملة النزاع أو في جزء منه أو في مسألة متفرعة عنه فصلا حاسما لا رجوع فيه من قبل المحكمة التي أصدرته, كالحكم للمدعي بقبول طلباته أو رفضها, أو الحكم بعدم الاختصاص, أو بانقضاء الحق بالتقادم أو سقوط الدعوى...
  3 – أن يكون نهائيا و حائز لحجية الشيء المقضي فيه
  و يكون الحكم نهائي عندما ينهي المحكم أو الهيئة التحكيمية الإجراءات و يصدر الحكم في النزاع بعد قفل باب المرافعة, و بالتالي تنتهي مهمة المحكم و يستنفذ ولايته و لا يبقى له أي إختصاص بشأن النزاع ألا ما قد يلزم من تصحيح بعض الأخطاء الكتابية البحتة, و يكون نهائيا بعد توقيعه من المحكمين بالأغلبية.
   و يكون الحكم حائز حجية الشيء المقضي فيه بين الأطراف الصادر بينهم هذا الحكم, و يقصد به عدم إمكانية طرحه ثانية أمام نفس الهيئة للفصل فيها.[38]



   4 – أن يكون الحكم قابلا للتنفيذ
 و يكون كذلك عندما يكون نهائيا و قطعيا و حائز لقوة الأمر المقضي فيه, ولم يطعن فيه بالطرق المقررة قانونا, و يجب أن يحوز على الصيغة التنفيذية من الدولة التي سينفذ فيها. [39]
المطلب الثاني
أثار القرار التحكيمي
    ثار خلاف فقهي حول الوقت الذي يرتب فيه القرار التحكيمي أثاره, فهناك من أعتبره من تاريخ اكتساب هذا القرار للحجية القطعية, و هناك من قال من تاريخ إيداعه لدى المحكمة المختصة, في حين ذهب جانب أخر إلى الأخذ بتاريخ صدور الحكم , و يعتبر هذا الرأي الأخير هو الراجح. وهذا ما نص عليه القانون الإيطالي. أما القانون الفرنسي فيعتبره من تاريخ تبليغ الأطراف.
    كما نصت معظم التشريعات إلى أن الحكم يكتسب حجية الشيء المقضي فيه منذ صدوره حتى ولو كان إيداعه في المحكمة ملزما, لأن هذا الإجراء لا علاقة له بحجية الأمر المقضي فيه , إنما من أجل تمكين المحكمة من ممارسة رقابتها على الحكم و إصباغ الصيغة التنفيذية عليه أو الطعن فيها.
الفرع الأول
أثار الحكم التحكيمي بالنسبة للخصوم
       أولا: الالتزام بتنفيذ الحكم التحكيمي
 يلتزم الأطراف بمجرد صدور القرار التحكيمي بالتنفيذ إراديا, و أساس هذا الإلتزام يكمن في إتفاق الطرفين على التحكيم, و يتم عادة  التعبير عنه صراحة في إتفاق التحكيم " أن قرار التحكيم  يعتبر ملزما و نهائيا". حيث تشير الإحصائيات أن 90 بالمئة من القرارات الصادرة عن غرفة التجارة الدولية تم تنفيذها إراديا.[40]

    إلا أن هذا لا يعني عدم إمكانية الطعن في هذا الحكم ما لم يتفق الاطراف على خلاف هذا, حيث يجوز في هذه الحالة الطعن فيه متى توفرت أسباب ذلك و تختلف هذه الأخيرة من تشريع لأخر فقد نص عليها المشرع الجزائري في المادة 1056 من ( ق إ م إ د) و هي نفسها أسباب رفض الإعتراف أو تنفيذ الحكم الاجنبي, ونكون أمام هذا الموقف الاخير إذا ما تم الطعن في الحكم أمام المحكمة المختصة في الدولة التي يراد تنفيذ الحكم التحكيمي فيها, أما إذا تم الطعن فيه في الدولة التي صدر فيها الحكم فإن الحكم الصادر عن المحكمة المختصة فيها سيقضي ببطلان القرار في حالة توفر أسباب ذلك.كما يدخل في إطار التنفيذ الإلتزام بمصاريف التحكيم.
    و تجدر الإشارة إلى ما تقوم به عادة المؤسسات التحكيمية و بالأخص المنظمات المهنية التي تشرف على إجراءات التحكيم بين الأعضاء المنتمين إليها أو بين الأطراف التي تطلب منها ذلك على دفعهم و تشجيعهم على تنفيذ القرار إراديا, و في حالة الرفض تقوم بمجموعة من الإجراءات لدفعهم للتنفيذ و هي:
  نشر خبر عدم تنفيذ الشخص الذي رضي بالتحكيم للقرار التحكيمي.
  حرمان هذا الشخص من التسهيلات التي تقدمها هذه المنظمات المهنية.
  فصل الطرف من المنظمة المهنية التي ينتمي إليها و التي نظمت عملية التحكيم.
إلا أن هذه الإجراءات وجهت أليها العديد من الإنتقادات و أثيرت الشكوك حول مشروعيتها, لأنه قد لا ينفذ الحكم بسبب أنها لم تبنى على وجود عقد صحيح أو أن الإجراءات لم تكن سليمة, لهذا فإن هذه الإجراءات التهديدية لا يمكن العمل بها إلا إذا كان عدم التنفيذ لا مبرر له.[41]
    ثانيا: الالتزام بعدم عرض النزاع مرة ثانية على القضاء
  لأن القرار حائز لحجية الأمر المقضي فيه بالنسبة لموضوع النزاع و بين الطرفين فقط, و هذا حتى في حالة إمكانية الطعن فيه, إلا أن تمتعه بهذه الحجية لا يعني اكتسابه للقوة التنفيذية لأن هذه الأخيرة تتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات.

الفرع الثاني
أثار القرار التحكيمي بالنسبة للمحكمين
وتتمثل هذه الأثار فيما يلي:
    أولا: رفع ولاية المحكم عن النزاع
  إذ أن بصدور القرار التحكيمي تنتهي ولاية المحكم عن النزاع الذي تم حسمه و يعني بذلك عدم إمكانية الرجوع مرة ثانية للنظر في النزاع, أو إعادة النظر في القرار الذي إتخذته الهيئة التحكيمية, إلا أنه يمكن للمحكم من تلقاء نفسه, أو بطلب من أطراف النزاع أن يقوم بتصحيح الأخطاء المادية أو إكمال النقص بسبب إغفال إتخاذ القرار بشأن موضوع تم طلبه أثناء المرافعة أو تفسير القرار.
  أما إذا تم إيداع القرار لدى المحكمة فلها أن تطلب من المحكم القيام بالتصحيحات السابقة.
    ثانيا: إستحقاق المحكم للأجور المتفق عليها
  و هذه الأجور يتم تحديدها في إطار مصاريف التحكيم التي سبقت الإشارة إليها, إلا أنه من جهة أخرى فالمحكم تقع عليه مسؤولية الإهمال وبالتالي يحق للطرفين مطالبته بالتعويض بسبب الأضرار التي لحقت بهم.[42]
  
 























1-إبراهيم رضوان الجغيبر, بطلان حكم المحكم, الطبعة الأولى, دار الثقافة للنشر و التوزيع, الاردن, 2009 ,ص 30- 31 .
1-حفيظة السيد حداد, الوجيز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي, منشورات الحلبي الحقوقية, لبنان ,2007 , ص 294 ,295 .  
-إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص32 .   

1-حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص 296 .
إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص 32 ,33 .  [5]
 حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص297 . [6]
2 ابراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق , ص34 .
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص 300 ,301 .[8]
1 محمد فوزي سامي,التحكيم التجاري الدولي, دار الثقافة, الاردن,2008 ,ص 309 .
محمد مختار بربري, التحكيم التجاري الدولي, الطبعة الثانية, دار النهضة العربية, القاهرة, 1999 , ص163 . [10]
إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص63 . [11]
محمد فوزي سامي, المرجع السابق,ص 309 .[12]
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق,ص312 ,313 .[13]
إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص 67 .[14]
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص315 .[15]
[16]القانون رقم 08 -09 المعدل و المتمم للقانون 66 – 157 و المتضمن قانون الاجراءات المدنية و الإدارية, جريدة الرسمية عدد 27 .
إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص 70 , 71 . [17]
محمود مختار بريري , التحكيم التجاري الدولي, الطبعة الثالثة, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003 , ص 203 .[18]
فوزي محمد سامي, المرجع السابق, ص 340 .[19]
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص82 .[20]
القا نون 08 -09 , المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية. [21]
4 محمد مختار أحمد بريري, المرجع السابق, ص266 , 267 .
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص 82 .[23]
2 محمود مختار أحمد بريري, المرجع السابق, ص 19 .
حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص83 .[25]
 محمود مختار أحمد بريري, المرجع السابق,ص 20 ,21 . [26]
 حفيظة السيد حداد, المرجع السابق, ص 84 , 85 . [27]
 عبد الحميد الأحدب, التحكيم في البلدان العربية, الكتاب الأول, الطبعة الثالثة, منشورات الحلبي الحقوقية, لبنان, 2
2008 ,ص 63 ,65 .

1 –jean-francois poudret. Sébastien besson. Droit compare de l’arbitrage international. B ruylant. 2002.p704.  
 2 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص 304 .
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص 305 . [31]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق,ص 316 .  [32]
 إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق,ص 46 .[33]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص[34]
  محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص [35]
 إبراهيم رضوان الجغير, المرجع السابق,ص 48 .[36]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص [37]
 إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص 59 , 60 .[38]
إبراهيم رضوان الجغيبر, المرجع السابق, ص 61 .[39]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص 343 , 344 . [40]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص 345 , 346 . [41]
 محمد فوزي سامي, المرجع السابق, ص 348 , 349 . [42]

هناك 4 تعليقات:

  1. بارك الله فيك بحث قمة

    ردحذف
  2. بارك الله فيك عن هاذ البحث الرائع و المفهوم

    ردحذف
  3. Best Baccarat Rules: A Review of the Online Baccarat
    There is a lot more to learn, 1xbet korean the 바카라 rules หาเงินออนไลน์ and how to win the game, which is why I created it. The Rules of Baccarat. Baccarat Baccarat

    ردحذف