الأربعاء، 11 يونيو 2014

التحكيم الدولي

ا لتحكيم الدولي :
تظهر دولية التحكيم على مستويين، يكون التحكيم دوليا بإجراءاته كما يكون أيضا دوليا بموضوعه .
و توجد الكثير من عناصر الأجنبية التي يعتبرها الفقه عناصر لتحديد التحكيم الأجنبي .
و تتضمن الاتفاقيات الدولية الكثير من الأحكام التي لا يشك في دوليتها . و يكون التحكيم الذي تسري عليه هذه الاتفاقيات تحكيما دوليا .
و يكون التحكيم ايضا دوليا بموضوعه ، و يكاد ان يكون موضوع التحكيم المعيار الأكثر استعمالا لاسيما وانه يختلط مع دولية العقد . و في هذا الصدد يمكن ان نشير الى قرارين صادرين عن محكمة النقض الفرنسية وهما :Mardele C/ Muller et Cie du 19/02/1930.  
  Dambricourt C/Rossard et autres du 27/01/1931.       و في هذين القرارين اعتبرت محكمة النقض أن التحكيم يعتبر دوليا في كل الحالات التي تثير فيها الصفقة موضوع النزاع "مصالح التجارة الدولية". و في هذا القرارين يستنتج ان مجرد كون مصدر السلعة أجنبيا حتى و لو بيعت من طرف فرنسي الى فرنسي اخر يكفي لتسليط الضوء على التجارة الدولية.
وقد استقر القضاء على هذا المنوال في قرارين حديثين يخصان نفس الأطراف Colmar le 29/11/1968 et Paris 20/06/1963 inpex c/malteria adriatica.
ويوجد التحكيم الدولي بمجرد ان تثير الصفقة موضوع النزاع مصالح التجارة الدولية مهما كانت جنسية المحكمين .
ويتضح حاليا ان معيار الدولية ينتج من طابع التحكيم الدولي اقتصاديا وليس من التحكيم نفسه ، من إجراءاته، من الكيفية التي تفصل بها المنازعة. غير أن هذا الشرط لا يبعد المعايير الأخرى المتعلقة بالإجراءات التحكيمية .غير أن هذه المعايير هي في الحقيقة معايير تستعمل لتحديد التحكيم الأجنبي.
التحكيم الأجنبي :
لقد ابعد الفقه عددا من المعايير و من بينها جنسية المحكم لإصباغ التحكيم بالأجنبية اذا كانت كل عناصر الإسناد وطنية. ولا يكفي الالتجاء إلى محكمة أجنبية من اجل تعيين المحكمين مثلا لإعطاء التحكيم صفة التحكيم الأجنبي.
ولا تكفي أيضا جنسية الطرفين . و تعتبر اتفاقية نيويورك القرار التحكيمي الصادر في الخارج أو في الجزائر لكن في هذه الحالة  الخاضع لقانون أجنبي قرارا تحكيميا أجنبيا .
ونفس الشيء يمكن ان يقال بالنسبة لمواطن الأطراف او لمقر إدارتهم .
لكن المسالة مختلفة بالنسبة للقرارات التحكيمية الصادرة في إقليم دولة غير الدولة التي يطلب فيها الاعتراف و التنفيذ.
أخيرا يمكن استخراج معيار يعبر أحسن عن أجنبية التحكيم و هو التحكيم الذي يسري عليه قانون غير قانون الدولة التي يطلب فيها الاعتراف و التنفيذ. و هو القانون الذي يسري على التحكيم وليس القانون الذي يستعمله المحكمين من اجل الفصل في النزاع.

النظام القانوني للاتفاقية التحكيمية :
يميز القانون الداخلي بين شرط  التحكيم واتفاق  التحكيم .غير أن القانون الجديد (المادة 458 مكرر1) و كذلك الاتفاقيات الدولية لا تفرق بينهما .وقد استقر القضاء الفرنسي على هذا المنوال ونظام التحكيم الساري في ظل الغرفة التجارية الدولية CCI لا يفرق بين الفئتين (انظر المادتين  7 و 8 منه).
الطبيعة القانونية للاتفاقية التحكيمية :
تقضي المادة 458 مكرر 1 من قانون الإجراءات المدنية بان الاتفاقية التحكيمية تسري على النزاعات المستقبيلة و النزاعات القائمة . و قد تأخذ شكل الاتفاقية المندمجة داخل العقد او منفصلة عنه لكن مرتبطة به  او بعدة عقود سابقة او لاحقة و يمكن للطرف الذي يرفض تنفيذ الاتفاقية التحكيمية أن يسمح للطرف الاخر أن يرفض تنفيذ العقد.
ويلاحظ ان الاتفاقية تبيين تسوية غير قضائية للتحكيم .
وتختلف الاتفاقية التحكيمية عن الشرط المانح للاختصاص Clause attributive de compétence حتى ولو كان التشابه بينهما شاملا اذ ان كلاهما يولد عدم اختصاص  المحكمة المختصة قانونا ، فالتمييز بينهما لا يخلو من الفائدة.
أولا : فالقرار الصادر عن القضاة في اطار الشرط المانح للاختصاص يعتبر حكما . و هذا الحكم يخضع لاجراءات تنفيذ الاحكام الاجنبية بينما القرار التحكيمي ينفذ بواسطة أمر "يصدره رئيس المحكمة التي وقع في دائرة اختصاصها التحكيم او من رئيس  المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التنفيذ إذا كان مقر التحكيم موجودا في الخارج".
ثانيا: ان حدود الشرط المانح للاختصاص هو النظام العام فقط بينما لا تكون الاتفاقية التحكيمية صحيحة  إلا إذا كان القانون المطبق عليها يعترف بها وهو إما القانون الذي اختاره الطرفان و إما القانون المنظم لموضوع المنازعة وإما القانون الجزائري (م 458 مكرر1 من فقرة  من 1 قانون الإجراءات المدنية).
أخير فان الشرط المانح للاختصاص ينقل ، يوسع في الاختصاص لكن لا يخلق اختصاصا جديدا كما  تفعله الاتفاقية التحكيمية .
ومن الميزات الخاصة بالتحكيم الدولي انه ليس ضروريا تحرير اتفاق تحكيم قبل التجاء إلى التحكيم فهذه الحالة الخاصة بالتحكيم الداخلي فقط.
و هكذا بمجرد إبرام اتفاقية التحكيم يبعد اختصاص المحاكم التي لا تتدخل إلا في الحالات المحددة من طرف القانون ( حالة تعيين المحكمين (المادة 458 مكرر 2 فقرة 2).
و تتولد عن إبرام اتفاقية التحكيم عدم اختصاص القاضي (م 458 مكرر 1/8) و يبدوا ان عدم الاختصاص هنا مطلقا . فكان القانون الجزائري اكثر ليبرالية من اتفاقية نيويورك التي تشترط إثارة عدم الاختصاص من احد الأطراف (الاتفاقية المادة II،3 منها).
لكن مع ذلك يمكن القول أن الدفع بعدم الاختصاص يجب أن يتمسك به احد الأطراف . فإذا كان هذا الشرط  مستوجبا فيما يخص محكمة التحكيم (المادة 458 مكرر 7فقرة 7) فمن باب أولى أن يكون مستوجبا أمام القاضي. ثم أن تفوق الاتفاقيات الدولية على القانون الوضعي يجعلنا نقول بان التمسك بعدم الاختصاص يجب أن يدفع به قبل آية مناقشة في الموضوع (المادة 132 من دستور).

ستقلالية الاتفاقية التحكيمية :
تلعب الاستقلالية دورها عند بطلان العقد الأساسي المندمجة فيه . عندما يبطل العقد تنتعش الاتفاقية و يختص المحكمين بالفصل في النزاعات التي عينوا من اجلها وقد ورد ذلك صراحة في نص المادة 458 مكرر 1 فقرة1 .
غير أن نفر من الفقه يرى عكس ذلك. فالاتفاقية المندمجة في العقد ليس إلا شرطا من شروطه وعند بطلان العقد يبطل الشرط. ويتعين على المحكم أرجاء البت إلى غاية الفصل في البطلان العقد . ومن هذا الوجه لا تكون الاتفاقية إلا فرعا و الفرع يتبع الأصل.
ومن الصعب قبول هذا الرأي. أولا باعتبار أن الاتفاقية مجرد شرط داخل العقد فان هذا الإدماج ليس إلا إدماجا ماديا فقط سيما لما نقف عند الطابع الإجرائي للاتفاقية فضلا عن ذلك يمكن أن تصور جليا وجود اتفاقية تحكيمية منفصلة عن العقد الأصلي . و في هذا الصدد لما لا نقبل استقلاليتها عندما تكون مرتبطة ماديا بالعقد.
وعند تناول المشرع مسالة الاستقلالية بقوله لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاقية التحكيم عند بطلان العقد الأساسي فانه كرس مسالة الاستقلالية وهذا يعني ان الاطراف الذين يتمسكون ببطلان العقد الذي يتضمن اتفاقية تحكيمية إنما يتمسكون بذلك أمام المحكم الذي يختص بالفصل في بطلان العقد كون "الاختصاص في الفصل في الاختصاص" يعود الى المحكم . و في هذه الحالة فان مجرد الزعم ببطلان العقد أو بعدم وجوده لا يكفي لوحده لإبعاد سلطة المحكم. فيبقى هذا الاخير مختصا في البحث في مدى صحة الزعم واذا عاين ان العقد الأساسي غير موجود (كما هو الشأن في حالة انعدام الرضا ) وجب عليه التوقف عن مواصلة مهمته واستخلاص اثار البطلان ليس على اساس ان العقد باطل لكن على أساس أن البطلان مس الاتفاقية التحكيمية نفسها .
وبالفعل هذا ما كرسه المشرع الجزائري في (المادة 458 مكرر1  فقرة 4 مكرر من قانون الإجراءات المدنية) وأكدته اتفاقية نيويورك التي ثبتت الاستقلالية التشريعية .
ويوجد نفر من الفقه من ينفر من تقسيم العقد استنادا على مقتضيات المادة 18 من القانون المدني التي تخضع الالتزامات التعاقدية "الى نفس القانون".
لكن مثل هذا الموقف لا يمكن قبوله لكون مفهوم التحكيم و ماهيته تختلف عن العقد. فالاتفاقية التحكيمية لها وظيفة مختلفة عن الشروط الاخرى للعقد مما يسمح بخضوعها لقانون اخر غير القانون الواجب التطبيق على العقد . فيمكن اعتبار الاتفاقية التحكيمية كعقد داخل العقد المتضمنة فيه وبهذه الصفة فهي تقع محل مفاوضات خاصة و تتطلب دقة كبيرة في تحريرها وتخضع بالتالي إلى القانون الذي اختاره الطرفان. و قد اكدت ذلك عدة اتفاقيات منها اتفاقية لاهاي، المتعلقة بعقود البيع الدولية المؤرخة في 30/10/1985.
اخيرا يجب التاكيد على ان القانون المختار يجب ان تكون له علاقة مع اتفاقية التحكيم .

الفصل الاول : موقف السلطات  الجزائرية من التحكيم .
عرف التحكيم التجاري الدولي في الجزائر تغيرات وتذبذبات معتبرة سببتها الظروف السياسية والاقتصادية منذ الاستقلال الى يومنا هذا. ولعل ابرز المراحل التي مر بها التحكيم التجاري الدولي تتمثل في مرحلتين :
مرحلة النفور التي تتسم  بالرفض الواضح لهذا النوع من القضاء الخاص وتمتد من فترة الاستقلال الى بداية الثمانينات ، تليها مرحلة الانفتاح التي اوجبتها الظروف الاقتصادية والحاجة الماسة لمسايرة ركب الدول المتقدمة وهي المرحلة التي نعيشها حاليا وتتسم بدورها بالقبول التام المتدرج للتحكيم التجاري الدولي الذي اصبح اليوم يحتل الصدراة في القوانين الجزائرية وفي قانون الاجراءات المدنية بشكل خاص .فما هو موقف السلطات الجزائرية منه خلال هاتين المرحلتين.
اولا : الموقف الغير المستقر للجزائر من التحكيم الدولي .
أ ) نفور الجزائر من التحكيم الدولي في ميدان المحروقات.
ان الجزائر، مثلها مثل اغلبية الدول الحديثة الاستقلال، بررت نفورها من التحكيم  التجاري الدولي لعدم الثقة في قواعد القانون الذي كان ينظر اليه على اساس انه مجموعة القواعد من صنع الدول الاستعمارية  سابقا و لم تشترك الدول النامية في تكوينها .
ان هذا السبب، ولو انه يصعب قبوله، لا يعد الوحيد لتفسير شدة الرفض التي عرفها التحكيم التجاري الدولي في فترة ما بعد الاستقلال .
فقبل هذه الفترة كانت المنازعات المتعلقة بالمحروقات من اختصاص مجلس الدولة الفرنسي وكان من المنطق بعد الاستقلال أن يؤول  هذا الاختصاص للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، الا انه لم يتم ذلك بل ارغمت الجزائر على اللجوء الى التحكيم بعد مصادقتها على الاتفاقيات البترولية المبرمة مع فرنسا علما ان جل  العقود تحتوي على شرط تحكيمي.
  فقد ابرمت، في الميدان العملي، عدة عقود تحتوي على بنود تحيل تسوية المنازعات الناشئة عنها على التحكيم. كما ابرمت اتفاقيات عديدة مع المتعاملين الاجانب في اطار احتكار الدولة للتجارة الخارجية عن طريق مؤسساتها العمومية .
لكن، يمكن القول ان النفور الملاحظ تجاه التحكيم التجاري الدولي يعود الى مقتضيات اتفاقية افيان Evian  لسنة 1962 فيما يخص تسوية المنازعات البترولية مع الشركات الفرنسية المستثمرة انذاك في الجزائر، فوجدت هذه الاخيرة نفسها محرومة من ممارسة سيادتها الكلية على ثروتها الطبيعية في الوقت الذي تحصلت فيه على استقلالها السياسي بعد ان دفعت الثمن غاليا .
ورغم محاولة الدول المتقدمة من تبرير الزامية اللجوء الى التحكيم عوضا عن المحاكم الوطنية لكون الجزائر دولة نامية لا تتوفر على الاجهزة القضائية ولا الخبرة اللازمة لتقديم ضمانات جدية تسمح للمستثمر الاجنبي اللجوء اليها بكل ائتمان .عكس التحكيم الذي يوفر الحماية اللازمة .
الا ان هذا التحليل مشكوك في مصدقيته ويزيد في الامر تعقيدا خاصة و انه يحتوي  على خلفيات لها علاقة متينة مع تخوف الشركات البترولية للدول النامية الرافضة للنظام الاقتصادي الدولي القائم و المطالبة بنظام جديد وعلى راسها الجزائر .
وتطبيقا للاتفاقية السالفة الذكر تمت المصادقة على اتفاق التحكيم مع فرنسا سنة 1963 محتواه الالتجاء الى محكمة التحكيم الدولية دون سواها (1) لحل كل نزاع حول استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء (المادة 2) كما تكون الاحكام الصادرة عن هذه الهيئة قابلة للتنفيذ التلقائي و المباشر في خلال ثلاثة ايام بعد صدورها (المادة 4) و في الملحق التابع للاتفاق المذكور و الذي ينضم عملية  التحكيم  تفرض صياغة الحكم بالغة الفرنسية وحدها ولا يقبل اي طريقة من طرق الطعن، اكثر من ذلك يمكن لهيئة التحكيم اتخاذ كل التدابير اللازمة للتنفيذ الجبري للقرار التحكيمي. فهل هذا يعني تخويل الهيئة التحكيمية سلطة الامر التي لا تكتسبها مبدئيا الا الدول ذات السيادة ؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- (1) Décret n°63-364 du 14/09/1963 portant publication d’un accord-algéro français relatif à l’arbitrage et d’une annexe portant règlement d’arbitrage (signé à Paris le 26/06/1963 JORA 1963 p.966)
اما الاتفاق المبرم في 29/07/1965 و المتعلق بالتعاون  في مجال استغلال الثروات الهيدروكربونية، فلقد عمل على تعديل بعض النصوص في اتفاقية ايفيان  واتفاق التحكيم لسنة 1963 و ادخل نظام التوفيق الاجباري الى جانب نظام التحكيم. غير انه ابقى على شرط تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة في شان النزاعات البترولية دون استلزام وضع الصغة التنفيذية عليها .
وفي سنة 1971، حدث منعرج تام في العلاقات البترولية الجزائرية الفرنسية اذ استعادت الجزائر سيادتها على ثروتها الوطنية عن طريق تاميم المحروقات في 24 فبراير 1971 الامر الذي اثر على نظام التحكيم بتطبيق نطاق استعماله لصالح الهيئات القضائية و الوطنية حيث اجبرت الشركات الاجنبية التي تريد الاستثمار في ميدان المحروقات على تكوين وانشاء شركات تجارية خاضعة للقانون الوطني يقع مقرها في الجزائر وتتعاون مع شركة سوناطراك . وعليه اصبح الكلام على وسائل تسوية المنازعات بدون جدوى لكون النزاع اصبح نزاعا داخليا و يخضع للهيئات
القضائية الوطنية، و هو الامر الذي اثار غضب الدولة الفرنسية بادعائها بان الجزائر اخلت بالتزاماتها التعاقدية المنصوص عليها في اتفاق الجزائر لسنة 1965، فحثت مستثمريها  الى الالتجاء الى التحكيم الدولي الا ان الحكومة الجزائرية رفضت ذلك متمسكة بحقها السيادي في التاميم وعدم استطاعة اية جهة منعها من ممارسته خاصة وانها لم تتعهد في اي وقت من الاوقات بعدم التمسك به.

وهكذا استبعدت فكرة التحكم الدولي بصفة واضحة وتقدمت الجزائر بمذكرة في قمة منظمة الدول المصدرة للبترول المنعقدة في الجزائر في سنة 1975 عبرت فيها على احترامها المبدئي للتحكيم الدولي غير ان قواعده لا تراعي حقيقة دول العالم الثالث ويجب اعادة النظر فيها والا فان هذه الاخيرة ستكون مجبرة على وضع نظام تحكيمي خاص بها وملائم لظروفها الاقتصادية و السياسية لان النظام القائم ما هو الا وسيلة تستعملها الدول المتقدمة للمماس بسيادتها.
ب) قبول الجزائر للتحكيم خارج المحروقات .
جسدت عملية تاميم المحروقات فكرة النفور التام من التحكيم التجاري الدولي التي تلاها صدور القانون رقم 78/02 المؤرخ في 11/02/1978 و المتعلق باحتكار الدولة للتجارة الخارجية احتراما لروح دستور سنة 1976 الذي نص في مادته 14 على ما يلي: "املاك الدولة محددة و لا رجعة" و تقر ان احتكار التجارة الخارجية مبدأ لا رجعة فيه. فالمادة الاولى من القانون السابق الذكر تقضي بما يلي: "وفقا لما ورد في الميثاق الوطني، وطبقا للمادة 14 من الدستور فان استراد و تصدير البضائع و السلع بجميع انواعها من اختصاص الدولة وحدها".
وحددت المادة الثالثة من نفس القانون المدلول من "هيئة دولة " بانها كل هيئة عمومية ذات طابع وطني وبوجه عام، اية مؤسسة اشتراكية على المستوى  الوطني بما في ذلك الدواويين و المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي او التجاري او الاداري، و بالتالي فلم يعد يوجد اي مانع للاخذ بنص المادة 442 من قانون الاجراءات المدنية التي تخطر اللجوء الى التحكيم على كل الهيئات التابعة للدولة ، الا انه في بداية الثمانينات بدات الامور تتغير ورجعت الجزائر الى نقطة الانطلاق الاولى حيث اصبح الالتجاء الى التحكيم مسموحا به و لو بصفة محتشمة اذ أبقى على المادة 442 وفي نفس الوقت تبرم المؤسسات العمومية عقودا دولية تتضمن شروطا تحكيمية.  لماذا هذا التناقض؟
الفرع الاول : اسباب الانفتاح
ادخل المرسوم 82/145 المؤرخ في 10/04/1982 و المنظم للصفقات التي يبرمها المتعامل العمومي غموضا يفهم منه السماح بالالتجاء للتحكيم الدولي في مادته 55 التي تلزم المتعاملين على ادراج بيانات معينة في العقود المبرمة قصد انجاز الاشغال و اقتناء المواد و الخدمات على القانون الواجب التطبيق و نظام تسوية المنازعات الناشئة عنها.
وفي نفس السنة تمت المصادقة على بروتوكول خاص بالتعاون الاقتصادي بين حكومتي الجزائر و فرنسا في 07/08/1982 و الموقع بالجزائر في 21/06/1982 (2)  وجاء في مادته 6 ما يلي : " كما اتفقا على ما يلي: تسوية الخلافات التي قد تحدث عند ابرام او تنفيذ العقود الموجودة بين الطرفين بطرق ودية . في حالة ما اذا لا يمكن تسوية هذه الخلافات بطرق ودية، يتم حلها طبقا لترتيبات العقود التي قد تنص على اللجوء الى إجراء مناسب لحل هذه الخلافات. و ان يوافق الطرفان على نص التسوية المناسبة لهذه الخلافات و الذي لا يمكن ان ترجع اليه احكام العقود التجارية المبرمة بين المتعاملين الجزائريين و الفرنسيين ".
ان ميادين تطبيق التعاون الاقتصادي المذكور شمل : السكن، الاشغال العامة، مواد البناء، الري، الطيران، الاعلام الالي، مواد التجهيز، الموصلات اللا سلكية، الطاقة الجديدة، الطاقة النووية، المجال الزراعي و الغذائي و الصيد .

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
( (2 المرسوم رقم 82/259 المؤرخ في 07/08/1982 المتضمن المصادقة على البرتوكول الخاص بالتعاون الاقتصادي بين الجزائر و فرنسا ج.ر 10/08/1982 ، ص 1567.
ونظرا ان احتكار التجارة الدولية يعود للدولة عن طريق متعامليها الاقتصاديين، فان البروتوكول الذي يعتبر اتفاقية دولية فتح الباب واسعا للتحكيم و الدليل على ذلك الاتفاق المبرم في 27/03/1983 و المنظم للتحكيم بين الجزائر و فرنسا الذي كرس مبادىء تحكيم غرفة التجارة الدولية و لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي .
علاوة على ذلك ما جاء في المادة الثامنة من القانون المتعلق بالاملاك الوطنية لسنة 1984 التي تقضي :"تكون الاملاك الوطنية غير قابلة للتصرف فيها بالتقادم او الحجز، غير انه يجوز التصرف في بعض الممتلكات و الملحقات التابعة للاملاك الوطنية بحكم طبيعتها او غرض تخصيصها او الوظيفة الموكلة لها لفائدة المجموعة الوطنية وفق الشروط و الاشكال المنصوص عليها صراحة بموجب هذا القانون ".
ويفهم من هذا النص، قبول مبدأ التصرف في بعض الاموال التي قد تكون موضوع نزاع لكون هذه المؤسسات تابعة للاملاك الوطنية، تمارس الدولة بواسطتها احتكار التجارة الخارجية ، كما يفهم ايضا عدم الاخذ بنص المادة 442 من قانون الاجراءات المدنية مما ادى ببعض المؤلفين الى التساؤل عن السبب الذي جعل الجزائر تتقبل إحالة  المنازعات الناشئة عن العقود الاقتصادية التي يبرمها المتعامل العمومي الى التحكيم، عوضا عن التذرع بنص المادة السالفة الذكر و التمسك بالنظام العام .
ولقد اجاب الاستاذ يسعد على السؤال، اذ اعتبر ان التفسير المنطقي لعدم العمل بالمادة 442 من القانون الاجراءات المدنية هو ان المشرع الجزائري عند تقريره لمنع اللجوء الى التحكيم الدولي على المؤسسات العمومية، فرق بين اعمال السلطة العامة التي تقوم بها تلك المؤسسات لتحقيق المنفعة العامة كشخصية معنوية تخضع للقانون العام واعمال التجارة عند تسيير الاموال الخاصة للدولة لتحقيق الربح كشخصية معنوية تخضع للقانون الخاص وعليه لا يوجد خرق لروح المادة بحد ذاته (3).

و ان كان التفسير يبرر التضارب الكائن بين القوانيين الا انه تفسير قانوني بحت لا يولي اهمية للاوضاع الاقتصادية المختلفة التي عرفتها الجزائر ففي السبعنيات، ادى تدفق ايرادات النفط الى وضع  الدولة الجزائرية في مركز قوة يسمح لها فرض شروطها على متعامليها الاجانب الا ان هذا الوضع تغير فيما يعد لان حقيقة التجارة الدولية فرضت نظامها وكان لا بد للجزائر ان تتكيف معه اذا ارادت التعامل مع الخارج، فالضرورات الاقتصادية هي التي تحضى بالاولوية قبل اي اعتبار سياسي .

وما يعزز هذا الراي ، الاستنتاج المتوصل اليه عند تحليل الاتفاقيات التي تبرمها الدول العربية منها الجزائر، و مؤدات ان التحكيم هو الوسيلة الاكثر ملاءمة لفض النزعات بين الدول المضيفة وشركات البترول المستثمرة. و لقد جاء تأكيدا لهذا الرأي ما قاله الفقيه كارستون: "قد يحجم المستثمرون عن استثمار اموالهم في دولة يعلمون ان اللجوء الى القضاء الوطني في الدولة المضيفة هو الوسيلة الوحيدة لاقتضاء حقوقهم التي يلحقها ضرر من جراء تصرف تاتيه هذه الدولة، ويؤدي هذا الامر الى ضيق نطاق الاستثمار في تلك الدول، وسيشكل عائقا لنمو نشاطها التجاري او الصناعي. وعلى خلاف ذلك فان الاخذ بنظام التحكيم يخلق مناخا استثماريا مفضلا لدى المستثمرين الاجانب حيث يتمتع اطراف التحكيم بحرية اختيار قضاتهم الذين يتوخون فيهم الثقة و الخبرة و المعرفة اللازمة لموضوع النزاع ، اكثر من ذلك فلهم الحرية في اختيار القانون الذي يحكم النزاع بينما تغيب هذه الحريات امام المحاكم الوطنية "(4).
لهذه الاسباب فان الشركات الاجنبية صاحبة التكنولوجيا التي يحتاج اليها الاقتصاد الوطني فرضت التحكيم على الدول المعادية له وجعلت منه الركيزة الاساسية التي تقوم عليها المعاملات و التبادلات التجارية الدولية .
الفرع الثاني: مظاهر الانفتاح التام للتحكيم .
تماشيا مع الظروف الاقتصادية الجديدة التي تعيشها الجزائر و التي تتمثل في الحاجة الماسة لرؤوس الأموال الاجنبية للنهوض بالاقتصاد الوطني كان لابد من القضاء على كل عقبة تحول دون الاستثمار الاجنبي و من هذه العقبات القوانين المعادية للتحكيم التجاري الواجب الغاءها.
وهذا ما ادى بالمشرع الجزائري الى ادخال تعديلات جذرية على النصوص القانونية بصفة عامة ووضع تنظيم شامل للتحكيم التجاري الدولي بصفة خاصة وتتجلى مظاهر الانفتاح للتحكيم الدولي في نقطتين :


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(3) محند يسعد: التحكيم في الجزائر. مجلة التحكيم ،1977، صفحة 235 بالغة الفرنسية ).
(4) عن احمد عبد الحميد عشوش : النظام القانوني للاتفاقيات البترولية في البلاد العربية. الشركة المتحدة للنشر و التوزيع . القاهرة 1975 صفحة 470.



-          I  الانظمام الى الاتفاقيات الدولية التالية و المتعددة الاطراف
-          انضمت الجزائر الى عدة اتفاقيات دولية، تكريسا لرغباتها في توطيد علاقات التعاون الدولي في مجال التنمية الاقتصادية بمساهمة الاستثمار الاجنبي، وتاكيد منها لاستعدادها للقضاء على كل تخوفات اصحاب رؤوس الاموال الراغبين في الاستثمار بالجزائر.
-          1)الاتفاقيات المتعددة بالاطراف :
-                 - اولا: التوقيع على اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري في 14/04/1987 بمدينة عمان (الاردن ) و التي تمخض عنها انشاء مركز للتحكيم مقره الرباط الا ان هذه الاخيرة لم تدخل حيزالتطبيق لوجود انتقادات في شانها منها احتوائها لعبارات و مصطلاحات غامضة اهمها تلك التي تحدد الاشخاص التي تسري عليهم الاتفاقية (وقعت عليها الدول العربية التالية : تونس، الجزائر، جيبوتي، السودان، سوريا، العراق، الاردن، لبنان، ليبيا المغرب، موريطانيا، جمهورية اليمن العربية و جمهورية اليمن الديقراطية الشعبية .)
-                            
-                     - ثانيا: الانظمام الى اتفاقية نيويورك في 10/06/1958 المتعلقة بالاعتراف باحكام التحكيم  الاجنبية وتنفيذها (5) ، وتعتبر من اهم الاتفاقيات التي حضيت بالاهتمام الدولي نظرا للدور الرئيسي الذي تلعبه  في مجال التعامل التجاري الدولي اذ تهدف اساسا الى توفير اكبر قدر من فعالية للاحكام الصادرة في اطار التحكيم التجاري  الدولي .
-          ومن سمات هذه الاتفاقية انها تركت اختصاص تحديد دولية التحكيم لقانون كل دولة متعاقدة من جهة، و من جهة ثانية اعتمدت على معيار الاقليمية لتحديد الصفة الاجنبية للحكم عند صدوره في دولة ويراد تنفيذه في اقليم دولة اخرى متعاقدة وهي صفة تتفق مع دولية التحكيم الذي يمس المصالح لاكثر من دولة .
-          كما عملت الاتفاقية على تسهيل التنفيذ الجبري بتنظيمها للرقابة القضائية المفروضة على الحكم واستبعادها اعادة النظر في موضوع النزاع، و بالتالي على القاضي الآمر بالتنفيذ مراقبة تطبيق القواعد  الواردة في الاتفاقية ذلك ان الدولة عند مصادقتها عليها ادخلتها في نظامها القانوني الداخلي واعطتها اولوية التطبيق على اي نص قانوني يخالفها او يتعارض معها .
-          ثالثا : المصادقة على الاتفاقية لتشجيع وضمان الاستثمار بين دول الاتحاد المغرب العربي في الجزائر في 23/07/1990(6).

-          رابعا : المصادقة على الاتفاقية المتضمنة انشاء الوكالة الدولية لضمان الاستثمار A M G I  (7).
-           
-          خامسا: المصادقة على اتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الاخرى (8).

-          سادسا: المصادقة على اتفاقية لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية (9).


-          سابعا : المصادقة على انظمام الجزائرالى الشركة العربية للاستثمار (10).






------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- (5) المرسوم الرئاسي رقم 88/233 المؤرخ في 05/11/1988 ج .ر 48.
(6) المرسوم الرئاسي رقم 90/420 المؤرخ في 22/12/1990 ،ج.ر.52.
(7)  المرسوم الرئاسي رقم 95/345 مؤرخ في 30/10/1995 ج.ر 66.
(8) المرسوم الرئاسي 95/346 المؤرخ في 30/10/1995 ج.ر 66.
(9) (المرسوم رئاسي 95/306 المؤرخ في 07/10/1995 ج.ر 59.
(10) (المرسوم الرئاسي رقم 98/334 مؤرخ في 26 اكتوبر 1998 ج.ر80.



2) الاتفاقيات الثنائية :
الى جانب الاتفاقيات المتعددة الاطراف ، ابرمت الجزائر العديد من الاتفاقيات الثنائية في اطار تشجيع الاستثمار وترقيته مع دول عربية وكذلك مع الدول الغربية هي : بلجيكا، لكسمبورغ (11) ، الولايات المتحدة الامريكية (12) ، ايطاليا (13)  فرنسا (14) ، رومانيا (15) ، اسبانيا (16)  ، المملكة الاردنية (17) ، قطر (18) ، مصر (19) ، سوريا (20) المالي (21).

II ( صدور قانون جديد منظم للتحكيم التجاري الدولي :
ثالثا: صدور قانون الاجراءات المدنية الجديد
صدر قانون جديد للتحكيم التجاري الدولي في سنة 1993 و هو المرسوم التشريعي رقم 93/09 المعدل و المتمم للامر 66/154 المتضمن قانون الاجراءات المدنية، وهو القانون المنتظر منذ المصادقة على الاتفاقيات الدولية العديدة السالفة الذكر و التي كرست مبادىء التحكيم التجاري الدولي العديدة وجعلت منه وسيلة لتسوية النزاعات التعاقدية ومن اهم هذه الاتفاقيات اتفاقية نيويورك.
            وبالتالي فتح المجال واسعا للعمل به في اطار منظم وتم القضاء على عقبة قانونية بصفة صريحة كانت تحول دون السماح باللجوء الى التحكيم للمؤسسات العمومية، وذلك بالغاء المادة 442 من  قانون الاجراءات المدنية حيث تنص الاولى منه على ما يلي:"تلغى المادة 442 من قانون الاجراءات المدنية تستبدل بالاحكام الاتية :
-          يجوز لكل شخص ان يطلب التحكيم في حقوقه له مطلق التصرف فيها. ولا يجوز التحكيم في الالتزام بالنفقة ولا في حقوق الارث و الحقوق المتعلقة بالمسكن و الملبس و لا في المسائل المتعلقة بالنظام العام او الاشخاص و اهليتهم .
-          ولا يجوز للاشخاص المعنويين التابعين للقانون العام ان يطلبوا التحكيم ماعدا في علاقاتهم التجارية الدولية :

كما اضيف باب رابع  تحت عنوان : " الاحكام الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي "ينقسم الى ثلاثة اقسام :
القسم الاول : خاص بتعريف التحكيم اتفاقية التحكيم .
القسم الثاني : منظم لعملية التحكيم لمن يختار تطبيق قانون الاجراءات المدنية الجزائرية .
القسم الثالث: مخصص للاعتراف و التنفيذ الجبري وطرق الطعن في احكام التحكيم الصادرة في مادة التحكيم التجاري الدولي .


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 (11) (مرسوم رئاسي 88/177 مؤرخ في 14/06/1988 متضمن المصادقة على اتفاقية التعون الاقتصادي مع حكومة بلجيكا وحكومة دوقية لكسمبورغ الموقعة في الجزائر في 28/04/1983 ج.ر و تلاه المرسوم الرئاسي 91/345 المؤرخ في 05/10/1991 المتضمن المصادقة على اتفاقية تشجيع الاستثمارات وحمايتها المتبادلة مع الاتحاد الاقتصادي البلجيكي لكسمبورغ الموقعة بالجزائر في 24/04/1991 ج.ر06.
(12) مرسوم رئاسي 90/319 مؤرخ في 17/10/1990 المتضمن المصادقة على الاتفاقية الرامية الى تشجيع الاستثمار مع حكومة الولاية المتحدة الامريكية الموقعة في واشنطن 22/10/1990.ج.ر 45.
(13) (المرسوم الرئاسي رقم 91/346 المؤرخ في 05/10/1991 المتضمن المصادقة على اتفاقية ترقية وحماية الاستثمارات المتبادية مع حكومة ايطاليا الموقعة في الجزائر في 18/05/1991 .ج.ر.46.
(14) (المرسوم الرئاسي94/01 مؤرخ في 02/01/1994 المتضمن المصادقة على الانفاق من اجل حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة بين الجزائر وفرنسا موقع الجزائر في 13/04/1993 .ج.ر. 1.
(15) (المرسوم الرئاسي 94/328 المؤرخ في 22/10/1994 المتضمن المصادقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار المتبادلة مع رومانيا  الموقعة في مدريد في 28/06/1994 ج.ر 69.
(16) مرسوم رئاسي 95/88  مؤرخ في 25/03/1995 متضمن المصادقة على اتفاقيىة الترقية وحماية الاستثمارات مع المملكة الاسبانية الموقعة في مدريد في 23/12/1994 ج.ر 23.
(17) (مرسوم رئاسي 97/103 مؤرخ في 05/04/1997 متضمنا المصادقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة مع المملكة الاردنية الموقعة في عمان في 01/08/1996 ج.ر.20.
(18) (مرسوم رئاسي 97/229 المؤرخ في 23/02/1997 المتضمن المصادقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة مع دولة قطر موقعة في الدوحة في 24/10/1996 ج.ر43.
(19) (مرسوم رئاسي 98/328 المؤرخ في 11/10/1998 متضمن مصادقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات مع مصر موقعة بالقاهرة 29 مارس 1997 ج.ر46.
(20) (المرسوم الرئاسي 98/430 المؤرخ في 1998 متضمن المصادقة على اتفاقية ترقية وحماية الاستثمارات متبادلة مع سوريا الموقعة في دمشق في 14/09/1997 ج.ر 97.
(21) (المرسوم رئاي 98/431 مؤرخ في 27//12/1998 متضمن المصادقة على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة مع المالي الموقعة في بامكو في 11/07/1996 ج.ر 97.

فالتعريف الذي جاء به القانون الجديد شامل ، يعتمد على معيار لتحديد مدى التحكيم التجاري الدولي حيث تنص المادة 458 مكرر من من قانون الاجراءات المدنية على ما يلي : "يعتبر دوليا ، بمفهوم  هذا الفصل، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح التجارية الدولية و الذي يكون فيه مقر او موطن احد الطرفين على الاقل في الخارج ".
1) المعيار الاقتصادي : وفق هذا المعيار يعتبر دوليا ذلك التحكيم الذي يمس  مصالح التجارية الدولية وهي تلك المعاملات و التبادلات الاقتصادية التي تحدث حركة للاموال عبر الحدود الاقليمية، وعليه تحديد دولية التحكيم يجب النظر الى طبيعة النزاع المطروح بغض النظرعن جنسية الاطراف المتنازعة، المحكمين او مكان التحكيم .
2) المعيار القانوني : الى جانب المعيار الاقتصادي، اضاف المشرع معيارا اخرا لاعتبار التحكيم دوليا حيث استلزم ان يكون  فيه مقر او موطن احد طرفي النزاع على الاقل  في الخارج .
والجدير بالذكر ان اغلبية التشريعات تاخذ عادة بمعيار واحد لتعريف التحكيم الدولي، و نذكر على سبيل المثال القانون الفيدرالي  السويسري الذي اعتنق المعيار الشخصي دون المعيار  الاقتصادي، وذلك ما جاء في القانون النموذجي  للتحكيم التجاري الدولي للجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي .
و السؤال المطروح هو لماذا اخذ المشرع  الجزائري بالمعيارين في آن واحد على عكس ما هو سائد حاليا في التشريعات الاخرى التي تكتفي بمعيار واحد للتحديد دولية التحكيم .
يمكن استخلاص الجواب  من تقريرات بعض المختصين الذين ساهموا في وضع قواعد القانون الجديد من بينهم الاستاذ "بجاوي" و التي يفهم منها ان الجزائر و لو اضطرتها الظروف الاقتصادية الى اعتناق نظام التحكيم التجاري الدولي و التفتح اليه الا انها تبقى متخوفة منه وتحاول بشتى الوسائل تضييق نطاق استعماله (22).
و رغم عقلانية هذا الموقف الا ان  التعريف تعرض انتقادات حيث ان الاخذ بالمعيارين في آن واحد قد يحد من الاستثمار المباشر للاموال الاجنبية في الجزائر، فالمستثمر الاجنبي سوف يرفض انشاء شركات تجارية خاضعة للقانون الجزائري ما دام يعلم عدم امكانيته اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي في حالة تسوية نزاع بينه و بين طرف وطني بسبب وجود مقر شركته الرئيسي في الجزائر و الذي يعني خضوعه التام للرقابة الاقتصادية و المالية الممارسة من قبل المحاكم الوطنية .
و ما يمكن قوله مما جاء ان المشرع تقدم بخطوة ايجابية نحو التفتح التام للتحكيم و لا يمكن ان نعيب عليه حذره حيث يجب للانتقال من مرحلة إلى اخرى، اتباع مسار متدرج لنجاح المرحلة الانتقالية و الوصول الى الهدف المسطر. فلا نستطيع ان نطلب منه انجاز عمل في عشرية واحدة قامت به الدول المتقدمة في سنين عدة .
فلا يخفى علينا صدور قوانين مهمة قبل تعديل قانون الاجراءات المدنية عبرت عن انفتاح الجزائر للتحكيم الدولي احتراما لتعهداتها الدولية و تطبيقا للسياسة الاقتصادية الجديدة لجلب الاستثمارات الاجنبية و الدخول تدريجيا في اقتصاد السوق وهي :
-          صدور القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية أذ تم الغاء المرسوم 82/145 المؤرخ في 10/04/1982بموجب المرسوم التنفيذي رقم 91/434 و المنظم للصفقات العمومية الذي ابقى في مادته 51 على شرط اللجوء الى القانون الواجب تطبيق عليه.
-          صدور قانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 و المتضمن قانون الاملاك الوطنية الذي يجيز للمؤسسات العمومية ذلت الطابع الصناعي و التجاري ومركز البحث و التنمية ان تتصرف في الاموال التي تقتنيها او تنجزها باموالها الخاصة و تكون ضمانا لالتزاماتها (المادة 10/2) دون المساس بالراسمال التاسيسي الذي يمكن استرجاعه من طرف الدولة في اي وقت من الاوقات. (المادة 107/4).
-          اصدار قانون بخصوص ترقية الاستثمارات الوطنية او الاجنبية .
-          صدور الامر رقم 95/22 المؤرخ في 26/08/1995 المتعلق بخوصصة المؤسسات العمومية التي تمتلكها الدولة .
و من خلال ما جاء، يمكن القول ان تغير الموقف يدل على ان الجزائر تفهمت ضرورة الاخذ بنظام التحكيم الدولي لكونه يتماشى مع العلاقات الاقتصادية التي لا يمكن تصورها بدونه، كما اخذت بعين الاعتبار التطورات الملحوظة التي طرأت عليه على الصعيد الدولي و التي عملت و مازلت تعمل من اجل ان تكيفه مع الحقيقة القانونية و الاقتصادية لجميع الدول دون  تمييز ومنها دول العالم الثالث .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 (22)Il est clair que nous acceptons la formule de la légalité de recours à l’arbitrage international mais pas dans n’importe quelles conditions. Nous avons instauré des verrous de securité qui offrent à  l’arbitrage international toutes les chances de réussir, mais qui donnent aussi à l’Etat l’occasion de contrôler ses actions : il s’agit de définir le siège; le droit applicable ;l’exéquatur…. ». (M). Bedjaoui, in quotidien « El watan » du16 décembre 1992.
اضف الى ذلك ان اعتناق مبدأ نظام التحكيم بصفة عامة لا يعني الامتثال لكل قواعده  بصفة عشوائية بل يحق لكل دولة ان تنظمه حسبما تراه ملائما لظروفها الخاصة و حاجياتها الاقتصادية. و يتجلى ذلك في كيفية تنظيم استقبال حكم التحكيم الدولي ومدى الاستعداد لتنفيذه، فالعبرة ليست في الاعتراف بالتحكيم الدولي بل في وضع القواعد التي بموجبها يستطيع صاحب الحق حماية مصالحه عن طريق تسهيل مهمة تنفيذ  الحكم الذي هو عنوان لهذا الحق، وعليه فالتفتح للتحكيم لا يمكن استخلاصه من تعريفه فقط بل يجب التطرق الى مصير الحكم الصادر عنه الذي يحدد فاعليته من عدمها فهل اتخذ المشرع الجزائري كل  الوسائل و الضمانات القانونية بذلك؟
ثانيا : الشروط اللازمة لقبول التحكيم
ان التحكيم سواء كان داخليا او دوليا محظورا على الدولة و الهيئات المرتبطة بها، غير ان مبدأ الخطر لا ينطبق على المنازعات المتولدة من العقد الدولي، (الفرع الاول) غير اننا نعتقد ان دولية العقد لا تكفي لوحدها لتبرير التحكيم، بل يجب ان يكون النزاع قابلا للتسوية التحكيمية  (الفرع الثاني).
الفرع الاول : يجب ان يكون العقد دوليا
مثله مثل التحكيم الدولي، فالعقد الدولي هو العقد الذي "يثير مصالح التجارة  الدولية" : ان التعريف الاقتصادي للعقد يوجد اساسه و مصدره في "قضاء ماتر"  (23).  وحتى نقبل هذه الشر وط، يقول النائب العام "ماتر" يجب ان ينتج العقد حركة مد وجزر فوق الحدود الوطنية، نتائج متبادلة مماثلة في هذا البلد و في الاخر. و يعتبر مثلا محل تسوية دولية عقد البيع التجاري الذي يمرر البضاعة من دولة اخرى وبعد ذلك مبلغ هذه البضاعة من الثانية الى الاولى .
وقد مدد هذا المفهوم فيما بعد الى العقد نفسه و بصفة ادق، و فيما يخص التحكيم، فان هذا المفهوم سمح بتصحيح شرط التحكيم لما كان محظورا في القانون الداخلي الفرنسي .
ان معيار "اثارة مصالح التجارة الدولية" قد استعمل ايضا في العديد من القرارات القضائية التي فصلت في التحكيم  وانشأت قواعد اكثر مرونة من تلك المطبقة في القانون الداخلي (قرار هشت Hecht .)
ويلاحظ ان المعيار الاقتصادي لم يكن الوحيد للعقد الاقتصادي الدولي فقد استعمل ايضا المعيار القانوني. و حسب العبارات الواردة في قرار هشت "يعتبر العقد دوليا اذا استند الى قواعد قانونية متعلقة بعدة دول" وهكذا ابتعدت محكمة باريس الاستئنافية عن القضاء الذي طالما استعمل المعيار الاقتصادي على مستوى التسوية المالية الدولية على مستوى العقد الدولي .
ان تطبيق معيار قضائي بحت من اجل تحديد الطابع الدولي للعقد يبقى امر غير مؤكد لا سيما عندما يتعلق الامر بتحديد الحق في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد، كما انه علاوة على ذلك فهو امر ضيق، لذا نعتقد انه يجدر الاخذ بالمعيارين معا بمعنى  المعيار الذي يستخرجه القاضي من المنازعة المطروحة امامه سواء كان معيارا قانونيا او معيار اقتصاديا. فمن جهة ،لا يعرقل التحكيم، او بصفة ادق،  لا تعرقل الاجراءات التحكيمية ، ومن جهة ثانية الاخذ بالمعيارين على حد سواء يؤدي الى مفهوم اوسع لدولية لعقد .
ولقد اعتبر نفر من الفقه (24) ، و بالنظر للقضاء التحكيمي وللممارسة الدولية، ان هذه العقود "المدولة" internationalisés تدخل في فئة العقود الدولية : فالمؤسسة المتعاقدة لها مرتبة المؤسسة كشخص من اشخاص القانون الدولي. بينما ينادي نفر آخر من الفقه "باعادة حصر"  relocalisation هذه العقود و توطينها وتكييفها كعقود  تشبه العقود الادارية الداخلية (25).
غير اننا نعتقد ان العقد الدولي ليس عقدا من عقود القانون الخاص )اولا( وهو ايضا ليس معاهدة من معاهدات القانون الدولي (ثانيا)


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 (23) Pigeonniere M: A propos  du contrat International, Clunet 1952, I, p 4 et ss 
(24) Karl Heinz bockstiegelm der staat als vertrags parner Anslandischer ; privatun ternetimen . Francfort  sur le main 1971 thèse d’agrégation université de Cologne, cité par Wilhem Wengler : Les accords entre Etats et entreprises étrangères sont-ils des traités de droit international ? Revue de droit international public, 1972, page 316).
(25) Madjid BENCHEIKH : Les instruments juridiques  de la politique algérienne des hydrocarbures  LGDJ, Paris 1973, page 85 et suiv.

وهكذا العقود الدولية هي عقود الدولة اي العقود التي يكون احد اطرافها دولة أو مؤسسة دولانية entreprise étatique و الطرف الاخر مؤسسة اجنبية. إن صفة الأجنبية التي تتميز بها العقود، صفة الطرفين من جهة ثم المصالح التي تثيرها تؤخذ في الاعتبار من اجل تعريفها .
اولا : لعقد الدولي ليس عقدا من عقود القانون الخاص
ان الميزة التي يتميز بها عقد الدولة هي ان احد الطرفين يتصرف كسلطة عمومية او من اجل المصلحة العامة بينما الطرف الاخر يبقى خاضعا للقانون الخاص .
و من هذه الواقعة، و رغبة من فقهاء العالم الثالث، الذين ارادوا "اعادة حصر"« Relocaliser »   العقد في القانون الداخلي، فانهم نادوا بنقل مفهوم العقد الاداري المعروف  في الانظمة الرومانية الجرمانية الى ميدان العلاقات الاقتصادية الدولية. وهذا النقل يسمح على الاقل للدولة المتعاقدة، التدخل من اجل مراجعة مقتضيات العقد (26) .
و من اجل فهم هذه النظرية نقترح دراسة و تحليل بعد القرارات التحكيمية المتدخلة في هذا الميدان التي ناقشت الطبيعة القانونية لهذه العقود و لاسيما عقود الامتياز البترولية و استخلصت الطبيعة الخاصة للعقود لانها لا تتضمن الشروط غير المؤلوفة في القواعد العامة (27) .
و لقد استخلصت محكمة التحكيم في قضية ارامكو الطبيعة الخاصة لعقود الامتياز وقد انطلقت المحكمة من تحليل مفاده ان الحقوق الداخلية المتعلقة بالطبيعة القانونية لعقود الامتياز مختلفة، فضلا ان مكانة عقود الامتياز  ضئيلة في الشريعة الاسلامية وجد متنوعة  حسب المذاهب.
و حسب الفقهاء المسلمين لا يوجد اي اختلاف بين هذه الفئات معاهدة، عقد القانون العام او العقد الاداري عقد القانون المدني او التجاري و تعتبر بمثابة تعهدات وجب الوفاء بها لأن الله شهيد في كل الحالات التي تبرم فيها العقود من الافراد او الجماعات .
وهكذا استنتجت محكمة التحكيم الطبيعة التعاقدية الخاصة لعقد الامتياز فاستخلصت: "ان عقد امتياز الارامكو يعتبر عقد امتياز من اجل استغلال الثروات العامة فهو ذو طبيعة عقدية و ليس عقد امتياز خاص بالمرفق العام. و تكون الحقوق و الالتزامات الخاصة بالشركة صاحبة الامتياز ذات طبيعة الحقوق المكتسبة و التي لا يمكن تغييرها من طرف الدولة بدون رضا الطرفين " .
اما في قضية تكزاكو كلازياتيك Texacco Calasiatic اعتبرت محكمة التحكيم ان التصرفات القانونية التي اكتسبت بمقتضاها الشركات المدعية عقود الامتياز من الدولة الليبية هي عقود أو بالاحرى عقود اكتسبت القوة اللازمة للطرفين حسب الشريعة الاسلامية. (سورة المائدة : "يايها الذين امنوا أوفو بالعهود " او حسب القانون الليبي (ولاسيما المادتين 147 و 148 من القانون المدني الليبي).
و هكذا رفضت محكمة التحكيم، على عكس ما هو مستقر عليه في الفقه، الطابع الاداري لعقود الامتياز لانها لا تتضمن الشروط الغير مؤلوفة في الشريعة العامة التي غالبا ما تتضمنها العقود الادارية مثل الفسخ بالإرادة المنفردة.

 واستنادا على شرط الاستقرار وعدم التغيير clause de stabilisation et d’intangibilité  استنتجت محكمة التحكيم ان الدولة الليبية  قد تعاقدت على قدم المساواة مع المتعاقد الأخر  و أكدت أن هذا الشرط يشكل "نكرانا صريحا لاحد المميزات الاساسية للعقد الإداري وهي طابعه الغير متساوي " (28).
و الدرس الذي يمكن ان نستخلصه من هذا الاتجاه التحكيمي في المجال الدولي يكمن في اتجاه مساند للدفاع عن مصالح المتعاملين الأجانب. و يتضح جليا في أن المصطلح الذي كان مستعملا لتعريف العقد الاقتصادي الدولي هو مصطلح "عقد الامتياز" ان هذا المصطلح كان دائما غير مرغوب فيه من طرف الدول النامية المصدرة للبترول (29). و الى غاية تاريخ قريب استعمل هذا المصطلح لتحديد الجزء الغني للدول التي يقطن فيها الاجانب و بتمتعون باستقلالية كبيرة الى درجة ان يعتبر دولة داخل دولة أخرى (30).

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
عبد المجيد بن الشيخ ،المرجع السابق، صفحة 85 و ما يتبعها.(26             
 27) قضية ارمكو ـ المجلة النقدية القانونية الدولي الخاص، 1963، صفحة 279.
(28) قضية تكزاكوكلازيتك ـ مجلة القانون الدولي، 2 ،1977، صفحة، 351 و لاسيما صفحة 365.
(29)  ف.روجاني 1963 صفحة 941.
(30) Union Académique Internationale : Dicitionnaire de la terminologie du droit International privé paris sirey 1960  page 139.)

وكانت عقود الامتياز تبرم في شكل عقود دولية تتضمن تخل جزئي او شامل عن سيادة الاقليم .

و بغض النظر عن التحليل الدقيق و الاناقة في التعبير من اجل البرهنة القانونية التي استعملتها محكمة التحكيم قصد خوصصة عقود الدولة، لا يمكننا ان نشاطر هذا الرأي و لا يمكننا ان نشاطره على الأقل لان محكمة التحكيم تنكر "كل فكرة استغلال او تسيير  المرفق العام"  و لا ينكر احد اليوم ان البحث واستغلال الثروات الطبيعية تمثل اهمية كبرى للدول النامية. فأهمية البترول بالنسبة لاقتصاديات هذه الدول لأنها هي التي تبرم مثل هذه العقود، اهمية حقيقية بل هو ذو أهمية استراتيجية بمكان يمكن ان تعرض الاقتصاد للخطر، اذ يحتاط بقواعد صارمة تحد من استغلاله بكل حرية، الا يمكن اعتباره لهذا السبب مرفقا عاما لانه يتميز بالمصلحة العامة، اجتماعية، واقتصادية. و يتعين بالتالي "عوممة" العقود التي تنصب عليه ؟ و يتعين على الدولة التدخل من اجل العقود البترولية كلما دعت المصلحة العامة ذلك علما بان كل الدولة حرة في تقييم منفعتها الاجتماعية وكيفية تقديريها، وفي هذا الصدد الا يمكن اعتبار ان تغيير العقد بالإرادة المنفردة بل وحتى فسخه تصرفا متصلا "بالسيادة الوطنية " و يجب بالتالي قبول هذا الفسخ من الناحية القانونية مع التحفظ في التعويض . ان وجود شرط الاستقرار وعدم  التغير ضمن عقد الدولة لا يعني ان هذه الاخيرة قد قبلت  "خوصصة" علاقاتها. على العكس فان وجود مثل هذا الشرط يثبت عوممة العقد و الا فقد وجوده في مثل هذا العقد كل معناه .

وفي هذه المرحلة من ملاحظاتنا لا يشك احد في ان عقود الامتياز الدولية المتعلقة بالبترول هي احسن امثلة للعقود الادارية اذ تتدخل السلطة العمومية دائما من اجل توجيه المرفق العام و تتصرف الدولة هنا كوكيل عن الامة  من اجل استغلال الموارد الطبيعية ذات الاهمية الاستراتيجية .
وفي فرنسا لايشك احد في الطبيعة الادارية لعقود الامتياز المنجمية (31).
و يرى  البعض ان عقد الامتياز المنجمي هو تصرف ارادي من جانب واحد. و لا تتغير طبيعته اذا ابرم بطلب من صاحب الامتياز. و قبول صاحب الامتياز ليس من شأنه ان يغير عقد الامتياز من تصرف احادي الى عقد. اذ يجوز للادارة ان تعيد النظر في عقد  الامتياز في الحالات التي حددها القانون الداخلي (32)
و يلاحظ  ان منذ التاميمات الارانية التي قررتها حكومة مصدق، حاول الحقوقيون، و لاسيما ممارسو القانون، اعادة تصور بعض قواعد القانون العام  و القانون الخاص بطريقة تضمن " استقرارالمعاملات المبرمة بين  الدولة و المؤسسة الخاصة و بقي هؤلاء اوفياء لفكرة قديمة مفادها ان الدولة اكثر قوة من المؤسسة  و لهذا اذن تفرض ارادتها وتغير على حساب المؤسسة من توازن العقد لذا استهدفت الجهود "إقتلاع" délocaliser  العلاقات التعاقدية . و خير دليل على هذا "الاقتلاع"  هو القرار التحكيمي سافير Sapphire : " لقد قدمت الشركة الاجنبية للدولة الايرانية مساعدة مالية ونقدية كلفتها استثمارات، مسؤوليات و مخاطر لذا كان طبيعيا ان تحضى بالحماية ضد كل تغيير تشريعي من شانه ان يعدل في روح العقد، و ان يضمن لها الحد الادنى من الاستقرار القانوني. وهذا لا يتحقق بتطبيق حرفي للقانون الايراني الذي تستطيع الدولة الإيرانية تعديله. فمن مصلحة الطرفين في مثل هذه الاتفاقيات ان تبعد النزاعات التي تقابلهما عن خصوصيات التشريعات الوطنية  ...... (33)"
و لقد  ظهرت نية واضحة في التخلص من قانون الدول المتعاقدة او على الاقل بعرقلته عن طريق تجميد صلاحيات السلطة العمومية المرتبطة بشخصية الدولة وبالتالي الوصول الى خوصصة العلاقات التعاقدية تحت غطاء انتزاع الخلافات من خصوصيات التشريعات الوطنية ".
وبالفعل اذا استحال الدولة ان تكون مصدر و موضوع القانون فان الاتجاه  الذي يستهدف التحلص من قانون الدولة المتعاقدة ليس منتقدا في حد ذاته بالنسبة للعقود التي تكون موضوعها تجاريا بحتا .لكن ،على العكس بالنسبة للعقود التي تمثل اهمية كبيرة بالنسبة لاقتصاديات الدولة المتعاقدة فان ذات الاتجاه غير مقبول وفي الحقيقة فان عقود الاشغال العامة او البناء او حتى عقود النقل التي تتضمن عناصر القانون العام فان تطبيق النظرية الادارية بالنسبة لها ليس منتقدا ايضا .


   
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(31) A Delaubadere : Traité de droit admistratif, t 4, page 382 et ss, LDGJ, 1977.        
(32) G.JEZE : Opérations admistratatives non contractuelles. Revue de droit public, 1965, p 489- 490.
                        (33) Annuaire Suisse De droit international, 1962, page 283                              
لكن مع ذلك يجب ان لايتم هذا النقل للنظرية الادارية على حساب المتعامل الاجنبي يجب مراعاة ة  المبادىء المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق و بحسن النية في تقدير التصرف الضار بكيفية تسمح بالتدعيم حماية المتعامل الخاص وتتحاشى تجريد الدولة من صلاحياتها السيادية .
اخير واذا كان مشروعا بالنسبة للدولة ان ترغب في تطبيق القانون الاصلح لمصالحها، اذا كان مقبولا انها ترغب في تطبيق قانونها، يجب ملاحظة ان هذه الإرادة ليست معقوله لان المهم فعالية القانون، قدرته على حماية مصالح الدولة او مصالح الطرف الذي اختاره وليس ان يكون القانون هو القانون الوطني .
وفي الاتفاقات المتعلقة ببيع الغاز ربط الجزائريون سعر الغاز مع سعر البترول. وانهيار سعر البترول سمح لبعض المؤسسات المطالبة بمراجعة الاحكام التعاقدية . و لما كان القانون الجزائري هو القانون الواجب تطبيقه على موضوع الخلافات، و يبين في المادة 107 فقرة 3 من القانون المدني ان : "..... غير انه اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة لمصلحة الطرفين ان يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك" (34).
و في مواجهة هذا الموقف لم يكن للجزائريين إلا حلين : اما عدم الاستجابة للعريضة المرفوعة ضدهم و بالتالي السماح لمحكمة التحكيم من تحديد سعر الغاز، واما فسخ العقد من طرف البلجيكيين ، واما الاستجابة للعريضة وقبول المرافعة امام محكمة التحكيم الكائنة بالغرفة التجارية الدولية مع مواصلة المفاوضات من اجل الوصول الى حل ودي. و بالفعل اختارت الجزائر الحكمة و سويت المسالة بصفة ودية (35).
وهكذا  كان من الافضل للجزائر تطبيق قانون اخر غير القانون الجزائري لكن يبدو لنا ان الدولة تشعر في اغلب الاحيان ان سيادتها محل نظر كلما خضعت العملية التعاقدية لقانون اخر غير قانونها بالرغم من ان الملاحظة السابقة صالحة للجزائر أو لاية  دولة  اخرى لا يكون قانونها اصلح لها . ان فرض القانون الجزائري في كل الحالات التي تسمح بذلك قد ينتج نتائج لا يحمد عقباها على الالتزاما ت التعاقدية . لذا فاننا نفترح دراسة التشريع المتعامل الاجنبي و اختيار القانون الأصلح حتى و إن كان اختيار القانون الجزائري قد يؤثر تارة على البنود التعاقدية .
فالدولة التي اختير قانونها قد تؤثر على العملية التعاقدية فهي تستطيع تغيير التشريعات الاجتماعية، الجبائية، المالية او الجمركية. و باختيار قانونها تكون الدولة في موقف يسمح لها بوضع حد للالتزامات التعاقدية بواسطة التاميم مثلا.
احيرا تبقى مسألة الطبيعة القانونية للعقود التي تبرمها المؤسسات العامة الاقتصادية الجزائرية فان قانون 1988 المتضمن القانون  التوجيهي للمؤسسات العامة الاقتصادية يعتبر هذه الاخيرة كمؤسسة تاجرة ،فهي تخضع للقانون التجاري ،اموالها قابلة للحجز و لايسمح باية مراقبةالوصاية كما لايقبل اي تخطيط مركزي و لا تخضع العقود التي تبرمها للقانون العام وهي تستهدف تحقيق الربح ......"لذا لا يوجد اي مبرر يغير من طبيعة العقود اذا كانت مبرمة مع متعامل اجنبي .
ومهما يكن من امر فانه من الصعب الكلام عن طبيعة واحدة لكل العقود .و اما الفئات التي وضعها الفقه تبدو لنا مسرفة في بعض الاحيان و تخفي نوعا من المجانية لذا يمكننا ان نشاطر وجهة النظر التي دفع عنها السيد verhoven   الذي يتكلم عن التقيمات مشخصة appréciations individualisées (36).



------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(34) N.Terki :L’imprévision et le contrat international dans le code civil algérien, DPCI, 1982, P 9 et ss. 
(35) حول هذه النطقة المتعلقة بنظرية الظروف الطارئة، فان القانون المدني الجزائري اكثر ليبرالية من العديد من القوانين الاوربية و يمكن الاشارة ايضا ان القانون الجزائري اقل حماية في حالتين اخرتين : بالنسبة للضمانات التعاقدية خاصة في عقد المقاولة وعقد البيع وكذلك في الشرط الجزائي. أنظر
A.Mebroukine : Le droit applicable aux marchés internationaux des opérateurs publics et l’arbitrage .thèse paris II .1988 p 60 et suiv.
(36) J. Verhoven :Contrats entre Etats et ressortissants d’autres Etats, in le contrat économique international.  Stabilité et Evolution. Bruxelles Bruyant Paris Pedone, 1975 .p 120.
صحيح انه لا يمكن ادماج عقد يتضمن ادوات مدرسية او ادوات مكتبية مع عقد بيع اسلحة ينصب على منشأة نووية
و اذا كانت عقود ليست عقود القانون الخاص و انه يتعين تقييمها فرادي اي حالة بحالة ،فانه اعتبارها عقود العام .وهذا ما يتطرق لن في الفصل الثاني.

الفصل الثاني : العقد الاقتصادي الدولي ليس معاهدة دولية .
انطلاقا من حجة عدم وجود شروط غير مؤلوفة في القانون العام و انعدام وجود شرط خاص بالقانون الواجب التطبيق عرف تكزاكوكلازيائيك عقد الامتياز كعقد دولي و بالنسبة للقرار التحكيمي المذكور فالعقد الدولي هو : العقد بالمعنى الذي يثير مصالح التجارة الدولية و بالمعنى القانوني هو العقد الذي يتضمن عناصر اسناد مع عدة دول "ان هذا التعريف هو التعريف الذي جاء به القضاء الفرنسي و اخذته  محكمة التحكيم لحسابها  (37)
و بتدويل العقد يصبح كافيا لوحده أن يكون شريعة المتعاقدين فهو اذن يخضع للقانون الدولي .
و بابتعاده عن قضاء محكمة العدل الدولية الدائمة الذي يقضي بان العقد الذي يبرم بين دولتين لا يمكن ان يخضع للقانون الدولي لانه ليس معاهدة دولية (38) استنتجت محكمة التحكيم ان المعاهدات ليست المثال  للاتفاقيات الخاضعة للقانون الدولي. و حتى اذا كان لا يمكن دمج العقود بالمعاهدات فان العقود بين الدول و الاشخاص الخاصة يمكنها ان تخضع في بعض الحالات الى شعبة خاصة جديدة من القانون الدولي : القانون الدولي للعقود (39) .
ان هذا الموقف ليس موقفا منعزلا. فقد اقترح الفقه اخضاع عقد الدولة لقانون الشعوب (40)،
            اقترح انشاء قانون دولي لعقود الدولة الى جانب القانون الدولي للمعاهدات. وهذا يعني ببساطة ان الشخص الخاص المتعاقد يرتفع الى درجة شخص قانون الشعوب و يكتسب بالتالي شخصية دولية و يتاكد هذا خاصة عندما يبرم العقد من طرف مؤسسة خاصة قوية اقتصاديا للحصول على حماية مطلقة لحقوقها التعاقدية انظر (41) .
و رغم ذلك فان صفة الطرفين بل و فكرة قوتهما الاقتصادية ليس معيارا محددا من شانه ان يحول العقد الى معاهدة دولية. "ان مجرد تعاقد مؤسسات (قوية) مع دول (ضعيفة) لا يكفي الى رفع هذه المؤسسات الى اشخاص القانون الدولي (42)
اننا امام معيار جد ذاتي تنقصه الحجية، فمجرد تجارة بسيطة في الحبوب لا يمكن ان تاخذ مكانة المعاهدة لان العقد أبرم بين دولة و مؤسسة اجنبية قوية، و قبول هذا من شانه ان يزعزع كرامة قانون الشعوب (43) .
وكان موقف الاستاذ دوبيي dupuy مشابها تقريبا في القرار تكزاكو كلازياميك المذكور. "ان تضمين شروط تحكيمية يؤدي الى تطبيق قواعد القانون الدولي". ان مثل هذا التاكيد هو تاكيد مجاني اذ يمكن الاقتصار على اللجوء الى التحكيم الدولي بالاشارة الى قانون وطني واجب التطبيق على موضوع المنازعة. يجب اذن التمييز بين تدويل الاجراءات التحكيمية و تدويل القانون الواجب تطبيق على الموضوع. و يبدو ان المحكم بنفسه غير مقتنع اذ انه يشير "ان اختيار اجراء تحكيمي دولي لا يؤدي لوحده الى تطبيق القانون الدولي بصفة استئثارية" بينما يضيف في نفس الفقرة بعد عدة اسطر "انه لا ريب في ان الرجوع الى التحكيم الدولي يكفي لوحده لتدويل العقد" (44).


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(37) Y.F. Lalive : Un grand arbitrage pétrotier entre un gouvernement et des sociétés privés étrangères, Clunet, 1977, page 319.
38) CPJI : 12/07/1929. Affaire Emprunts serbes et brésiliens, Clunet, 1929, page 1002.
39) sentence texacco- calasiatic- OPECIT, page 356)
40) Bocksiegel, opecit, in 60 ans après p 177 .
41) wengler opecit page 384
42) J.Verhoven traités ou contrats entre Etats ? Sur le conflit  des lois en droit des gens. Clunet, 1984, page 9.
43) J. Verhoven, opécit, p 20
44) B. Stern : Trois arbitrages, un même problème, trois solutions Revue de l’arbitrage, 1980 page 3.
غير ان الخبير، بعد وعيه بالنتائج المتطرفة التي يمكن ان تولدها تاكيداته، فانه لطف منها بمنح اشخاص القانون الخاص التي ارتفعت الى مستوى اشخاص قانون الشعوب "قدرات محدودة"، غير انه يبدو لنا انه لا يكفي الحد من اثار الاعتراف الدولي للمؤسسة الخاصة للاقتناع بفعاليتها. و في الوقت الحالي أي الحالة التي هو عليها قانون الشعوب، فان المجتمع الدولي كما يؤكده فرانسوا ريجو "لا يقبل ان تتخلى الدولة اتجاه مؤسسة خاصة على احدى مميزات سيادتها. فالامر لا يتعلق بالحفاظ على نظرة تقليدية للنظام الدولي الذي يقيس الشخصية الدولية بالدول و بالمنضمات الدولية، لكن على الاقل فان المجتمع الدولي له  وحده ان يقبل سواء بفئات او فرادى متعاملين جدد. فالفوضى كافية حتى لا يتصور ان تمنح دولة لاحد المتعاملين معها، مؤسسة خاصة، بطاقة العضو في النادي و السماح لها بالتالي التمسك فيما بعد بالحد من السيادة" (45).  وهذا يعني انه لا يعقل ان "تعترف" الدولة بالشخصية للمتعاقد معها حتى ولو كان ذلك بصفة مؤقتة  ومحدودة تقتصر على مقتضيات العقد المبرم. انه لمن المشكوك فيه ان خضوع العقد للقانون الدولي بارادة الطرفين المشتركة ينشىء "مكانة مرتفعة " statut élevé   للشخص الخاص. "انه لمن السعادة ان تكثف الحماية التي يمنحها قانون الشعوب للعقود، لكنه ليس من السعادة ابدا اخضاع العقود لقانون الشعوب، عقود لا يمكن، بدون تعسف،  دمجها مع المعاهدات ، من اجل استفادتها بمبدأعدم التعديل المعترف به للاتفاقيات المرغوب في تقديسها (46).
ومن خلال هذا التدويل يراد الوصول الى نفس الهدف وهو تبرير تخلص العقد  من الهيمنة الاستئشارية لقانون الدولة و بالتالي الوصول الى حماية المتقاعد الاجنبي. ان هذه المؤسسات الاجنبية القوية المتفوقة اقتصاديا وماليا على اغلب الدول التي تتعاقد معها لا تحتاج للحقوقين من اجل اقعادها على مقعد اشخاص القانون الدولي (47).
و تعزز هذه الملاحظة بوسائل اتفاقية خصصتها الاتفاقيات الدولية التي تسمح بايجاد مخرج للتخلص من قانون الدولة اذ تامر المادة 42-1 من اتفاقية واشنطن المؤرخة 18/03/1965 المتعلقة بانشاء المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات   CIRDI  "محكمة التحكيم الفاصلة في الخلاف ان تطبق قانون الدولة المتعاقدة " بما فيها القواعد المتعلقة بتنازع القوانين "مما يسمح بايجاد في قانون الدولة نفسه الوسيلة للتخلص منه  و تسمح بتاكيد الطابع الدولي للعقد المتنازع فيه .
 إنه من المستقر عليه " حسب النظرية السائدة" (48) أن الدولة التي تتعاقد تفعل ذلك على قدم المساواة مع المتعاقد الاخر .
ان هذه النظرية ،حتى وان لم تكن هي السائدة، لا يمكن انكارها .
ومهما يكن، فانها تمنح للمتعاقد الاخر مع الدولة التي ليست دولته "درجة من الحماية التي لا يعرفها لا في علاقاته مع هذه الدولة التي يمكنها ان تستعمل صلاحياتها السيادية ، و لا من علاقاتها مع المتعامل الاجنبي مهما كانت جنسيته اذا يبقى مهددا بتطبيق قوانين الضبط (49).
تنطبق القوانين ذات التطبيق الفوري في كل الحالات التي يجب فيها حماية اليد العاملة الوطنية او تحديد المسؤولية عن الاضرار اللاحقة بالغير و اصدار تشريعات اجتماعية .
و تقصيرعقود الدولة على مبدأ pacta sunt servanda  بواسطة اي تدويل امر غير منطقي. اولا لان المؤسسات الاجنبية ليست اشخاص القانون الدولي حتى ولو اردنا منحها صفة مؤقتة و قابلة للفسخ  . ثانيا فالقانون الدولي في وضعية  الحالية فقير و ضعيف . و لا يمكنه الإتيان بأجوبة ملموسة جيدة و شاملة على الأسئلة المطروحة عليه و المتعلقة  بعقود المفتاح في اليد او المنتوج في اليد مثلا.
و هذا يسلط الضوء على التدويل فلا اثر له في اتجاه وحيد بمعنى المؤسسة الخاصة التي ترفع الى درجة اشخاص القانون  الدولي بينما الدولة ، بدلا ان تحافظ على حقوقها السياسية المخولة لها من طرف ذات القانون الدولي، على العكس فهي تفقدها. وهذا يكشف بانه لا يستخلص او لا يرغب ان يستخلص من القانون الدولي الا ما هو اصلح للمؤسسة الاجنبية. اي مساواة مطلقة و استقرار تعاقدي مسرف بين الطرفين الشيء الذي يؤدي بطريقة او باخرى الى خوصصة عقد الدولة .


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------45) F.Rigaux : Des Dieux et des héros : Réflexions sur une sentence arbitrale. Revue critrique de droit international privé, 1978, page 445.
(46) J- Verhoven, in le contrat économique international, opécit page141.
(47) Bernardos M.CREMADOS, in 60 ans après, Les Etats et les entreprises publiques en leur qualité de partenaire dans le commerce international, page 207.  
(48) Lalive : l’Etat en tant que partie à des contrats de concession d’investissement conclus avec des sociétés privées étrangéres : rapport UNIDROIT 1977 .6.
(49) B .Audit : l’arbitrage transnational et les contrats bilan et prespectives cerdi academie de droit international de la Hayeé .page 52.
و يجب التذكير اخيرا ان المعاهدات لا تخص سوى الاتفاقيات التي تبرم بين أشخاص القانون الدولي (50). بينما عقود الدولة لا تبرم إلا بين الدولة كشخص من أشخاص القانون الدولي و مؤسسات خاصة خاضعة للقانون الداخلي و لا يمكن أن تدخل ضمن فئة المعاهدات الدولية.
و في التاميمات الإيرانية  رفضت محكمة العدل الدولية مزاعم المملكة المتحدة التي ارادت اعطاء العقد البترولي بين ايران و الشركة الانجلوايرانية في سنة 1933 الطابع المختلط sui Generis ، بمعنى طابع المعاهدة بين ايران و المملكة المتحدة من جهة، وطابع العقد بين ايران و المؤسسة المذكورة من جهة أخرى.  ولم تجد المحكمة  في هذه الاتفاقية  الا عقد امتياز بين حكومة و شركة خاصة اجنبية(51).
فلا توجد اية علاقة بين الحكومة الايرانية وحكومة المملكة المتحدة . و لا يمكن  للاولى ان تسأل تجاه الثانية عن الالتزامات و التعهدات التي التزمت بها لفائدة الشركة. واما الوثيقة التي امضاها ممثلي الحكومة الايرانية و الشركة لا يمكن ان تشكل بأي حال من الأحوال علاقات فيما بين الحكومتين. و هكذا أبعد تصور الطابع المختلط الذي طالما دافعت عنه بعض الدول. ان هذا التصور ليس في احسن الحالات الا حلا جزئيا و لا تظهر الدولة في هذه العقود كشخص قانون خاص بل هي   موجودة كشخص صاحب سيادة. و بهذه الصفة يضمحل "الجانب الخاص" في هذه العقود لفائدة "الجانب العام"، إن سيادة الدولة المتعاقدة "تجنس" الطبيعة القانونية لهذه العقود
وفي الختام لا يمكن لعقد الدولة ان يكون مجرد عقد تقليدي خاضع للقانون الخاص كما لا يمكن ان يرتفع الى درجة المعاهدة الدولية.
انه لصحيح ان مميزات عقد الدولة يثير احكاما  لا يمكن تقديرها منعزلة. صفة الطرفين، من جهة، عنصر الاجنبية، من جهة اخرى، اخيرا اهمية المصالح التي يتضمنها تعتبر عناصر محددة لطبيعته القانونية فلا يمكن تعريفه بصفة مسبقة بل يكتشف من خلال حالات خاصة.
واذا كانت دولية العقد كافية فانه يبدو لنا ان قابلية  المنازعة للتحكيم ضرورية وهذا ما سنتطرق له في البند الثاني .

البند الثاني : قابلية المنازعة للتحكيم.
            هناك من رأى في النظام الجزائري- الفرنسي المؤرخ في 27/03/1988 تقصيرا لقابلية المنازعة للتحكيم على تجاريتها (52). و كانت "التحفظات الجزائرية" عند انضمام الجزائر لاتفاقية نيويورك قد أدليت بدون تحديد. غير أن المادة الأولى فقرة 3 من هذه الاتفاقية تسمح بالانضمام مع التحفظ في تجارية المنازعة و في التطبيق المتبادل للاتفاقية من لدن الأطراف الأخرى. لذا نعتقد، إذن، أن المنازعة التجارية هي وحدها التي تقبل الفصل فيها عن طريق التحكيم .
           
غير أن هذا التأكيد غير مقنع.
            أولا، تقضي الفقرة الأولى من المادة 442 من قانون الإجراءات المدنية أن "يجوز لكل شخص أن يطلب التحكيم في حقوق له مطلق التصرف فيها." ولا يقتصر هذا النص غلى المنازعات التجارية فقط وأن قراءته تؤكد ليبيراليته.

            غير أن مسألة أخرى يمكن أن تطرح. ألا يوجد تناقض بين أحكام اتفاقية نيويورك التي تقتصر المنازعة في تجاريتها وأحكام القانون الداخلي أي الفقرة الأولى من المادة 442 من قانون الإجراءات المدنية التي تسمح بقابلية كل المنازعات للتحكيم – ألا يمكن هنا للقاضي المدعو للفصل في المنازعة أن يبعد القواعد القانونية الداخلية لفائدة القواعد الاتفاقية طبقا للمبدأ الذي يقضي بتفوق القواعد الاتفاقية على قواعد القانون الداخلي ؟ إننا لا نعتقد ذلك لسبب قانوني على الأقل.






-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

(50) L. Cavaré : le droit international public paris 1969 page 69.
(51) CIJ Recueil 1952 p 112. 
52) علي مبروكين :الأطروحة السابقة، صفحة 353.
       
            بالفعل، تقضي المادة 1، من اتفاقية نيويورك أن: "لا تمس أحكام هذه الاتفاقية بصحة الاتفاقات المتعددة الأطراف  أو الاتفاقات الثنائية المبرمة من طرف الدول المتعاقدة في ميدان الاعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية. و لا تحرم أي طرف معني من الحق في التمسك بالقرار التحكيمي بالكيفية والطريقة التي يسمح بها التشريع أو المعاهدات الدولية التي يثار فيها القرار .....".

            وقد تم تفسير هذا النص بأنه امتياز مخول للطرف المستفيد من القرار التحكيمي ، امتياز يسمح له بالتمسك بالقاعدة الأفضل حتى يتفادى كل محاولة من أجل عدم التنفيذ(53) وحتى في حالة عدم توافق النص الداخلي مع حكم من أحكام اتفاقية نيويورك، فإن الطرف المعني محق أن يتمسك بالقاعدة الأفضل وهذا ما يسمى بشرط القاعدة الأفضلclause de la sentence la plus favorisée  (54) وهكذا و من أجل فعالية قصوى للقرار التحكيمي و للتحكيم الدولي، فإن مبدأ تفوق القواعد الاتفاقية على القواعد الداخلية يضمحل . و قد استقر القضاء الفرنسي الحديث في هذا الاتجاه (55). غير أن الفقه لم يكن موحدا حول هذه المسألة.

بالنسبة للبعض الأول (56)  فإن هذا الموقف مخالف للقانون الدولي لأن "إذا منحنا لطالب التنفيذ أو الاعتراف بالحكم الأجنبي بإمكانية اختيار القواعد العامة على حساب الاتفاقية الدولية الأكثر صرامة، فإن هذه الأخيرة ستتحول لا محال إلى اتفاقية أحادية لأن تطبيقها سيتوقف في فرنسا بينما سيواصل تطبيقها من طرف الدولة الأجنبية المتعاقدة وهذا يخالف بداهة  روح الاتفاقية الدولية".
           
و بالنسبة للبعض الأخر (57) فإذا اضمحلت القواعد الاتفاقية أمام القانون الداخلي الأفضل فإنه يستحيل تركيب الاتفاقية الدولية مع قانون آخر يجب الاختيار بين هذا وتلك .

 وحسب نفر ثالث أخير(58) يمكن اختيار القانونين.

         ثانيا و اجمع الفقه تقريبا على التأكيد أن مفهوم التجارية لا يقتصر على التجارة بمفهومها الضيق المحدد في القانون التجاري (59) ولهذا السبب فإننا نفضل استبدال مفهوم المنازعات التجارية بمفهوم المنازعات الاقتصادية .

بغض النظر عن مسألة تجارية المنازعة، يجب التنويه بوجود مواد تبتعد تماما على التحكيم إذ " لا يجوز التحكيم في الالتزام بالنفقة و لا في الإرث والحقوق المتعلقة بالمسكن والملبس و لا في  المسائل المتعلقة بالنظام العام أو في حالة الأشخاص و أهليتهم."

        وإذا كان مقبولا عالميا من طرف الأنظمة القانونية الوطنية أن المنازعات المتعلقة بحالة الأشخاص و بقانون الأسرة مستبعدة عن التحكيم لأنها بداهة بعيدة عن التحكيم التجاري الدولي، يجب مع ذلك التساؤل حول المنازعات المتعلقة بقدرة الشخص المعنوي الخاضع للقانون العام على التسوية . إن هذه المسألة فصل فيها قانون الإجراءات المدنية. وأصبحت الدولة و المؤسسات العامة الخاضعة للقانون العام تستطع " أن تطلب التحكيم في  علاقاتها التجارية الدولية ".

ويلاحظ أنه لا يمكن التمسك بمبدأ عدم قدرة الدولة و الأشخاص المعنوية العامة على التسوية. وهذا ما استقر عليه القضاء التحكيمي الذي رفض هذه المواقف وأكد "الطابع الملزم للعقد" (60).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (53) J.Robert ,note sous cassation civile du 09/10/1984 ,affaire pablakticoret limited sirketi c/société anonyme notsolor.Dalloz 1985, Jurisprudence, page101, en particulier page103.
(54) P.Fouchard : L’arbitrage commercial international, in jurisclasseur.Procédure civile, fasc.1052, 2é cahier N°141et suivants et références.
(55) Cass. Civ 9/10/1984 préciteé et le commentaire de Ph.KHAN .Clunet 1985, page 679 et suivants.
56) A.HUET.les procédures de reconnaissance et d’exécution des jugements et des sentences arbitrales en droit international privé français, clunet 1988, page5.
(57) J.Robert L’arbitrage, OPECIT , page 349 n° 414.
58) E.loquin note sous cassation, clunet 1990 , page  838 .
59) Robert, opecit p 225 ; M. de  boison : le droit francais de l’arbitrage 1983, page 405 ; Ph fouchard revue de l’arbitrage 1970, p 54 et suivants .
60) Sentence NIOC du 1401 1982 revue de l’arbitrage 1984 page 333 commentaire Ph. Fouchard : une nouvelle contribution au droit international de l’arbitrage, ibid, page 339 et suivants. Sentence framatome :clunet 1984 page 58 et le commentaire de B. Opettit : arbitrage et contrats d’Etats l’arbitrage farmatome et autres c/ Atomic Energy Organisation of Iran, ibid, page 37 suivants - sentence plateaux des Pyramides du 16/02/1986. Revue de l’arbitrage 1986, page 105, et le commentaire de P.  le Boulanger, ibid, page 3.
ويبدو ان مبادئ حسن النية و القاعدة التي تقضي بانه لا يجوز لاحد ان ينفي التزامه contra factum proprium    التي كانت اساس هذا القضاء الذي ابعد الدفوع التي تعتبر ان مسائل الاهلية و القدرة غير قابلة للتحكيم. و لا يمكن لهذين المبدأين (حسن النية و عدم انكار الالتزامات) الاضمحلال إلا اذا كانت المؤسسة الاجنبية التي تعاقدت مع الدولة سيئة النية، ارتكبت رعونة كبيرة عند قبولها التعاقد مع ممثل للدولة يفتقر لهذه القدرة. و يبدو ان هذا ما يستخرج من قرار "فراماتوميه" Framatome الذي اعتبر ان العقد يتضمن عيبا كبيرا لا يمكن المحافظة عليه باي حال من الاحوال. و في هذه القضية تعلق الامر ببداية في تنفيذ العقد الذي يسمح بتغطية البعض العيوب المتعلقة بتكوين العقد .

و بدون الرجوع إلى هذه المناقشة و إلى هذا الحل، يبدو أننا نلاحظ تطورا في النظرية الكلاسيكية للبطلان التي لا تستهدف تصحيح التصرف الغير مشروع كما هو بل تتخلى عن الحق في التمسك ببطلان هذا التصرف (61).

اننا نعتقد أن التاجر، شخص متفطن، عند إبرامه للعقد و بدأ في تنفيذه فإنه قد تخلى عن التمسك بالبطلان الذي يشوبه.

غير أن التمسك بحسن النية من أجل تغطية العيوب و بالتالي المحافظة على التصرف الغير مشروع يبدو لنا ضعيفا. إن المتعاقد الذي يحتج ضده بالبطلان مسؤول  أيضا على إبرام هذا العقد، اذ أنه كتاجر، فلم يتخذ كل الاحتياطات اللازمة لتفادي ابرام هذا العقد و قد تصرف بالتالي بخفة. وفي حالة غياب الترخيص الإداري أو غياب القدرة او سلطة أحد الممثلين للدولة أو هيئة العمومية، فكان بإمكانه اشتراط  تنفيذ هذه الشكليات بدلا من الاقتصار على شكليات عامة (62).

ان القضاء التحكيمي قد تطرق عدة مرات الى هذه المسألة متأسفا ان يكون المتعاقد بالنظر لاهمية العقد لم يتخذ احتياطات اضافية (مثلا كاشتراط استشارة قانونية legal opinion  مرتبطة بالعقد و مثبتة لسلطات الاشخاص الممضية الايرانية) من اجل التاكد من المشروعية الكاملة للعمليات  التعاقدية طبقا للقانون الايراني الواجب التطبيق (63).

 اننا نتأسف بدورنا على اسف هذا القضاء الذي ياسف على هذا السلوك السلبي بدون تسليط الجزاء عليه.  الا يوجد هنا ايضا طريقة اخرى لتفسير العقد احاديا ؟ الا يوجد هنا خطر على القرار التحكيمي الذي قد يصطدم برفض التنفيذ. تجدر الملاحظة في هذا الصدد ان المحاكم الامريكية قد استجابت  للدفاع الليبي المتعلق  بعدم قابلية  المنازعة للتحكيم   و الخاص بقضية ليماكو  (64)  Liamco و يمكن الاجابة ان المحكم يقتصر على تنفيذ المهمة المنوطة به بمعنى انه يكتفي بتسوية المنازعة فقط. لكن يبدو لنا ان المحكم يلتزم بالسهر على الضمان الحد الاقصى من الفعالية للقرار التحكيمي وبهذه الصفة وجب عليه التنبؤ بكل الصعوبات المتعلقة بقراره باستلهامه مثلا من القوانين الموجودة أمامه و من القواعد الاتفاقية الواجبة التطبيق في ميدان التحكيم .

   وعند التطرق للقواعد الاتفاقية، قواعد اتفاقية نيويورك التي صادقت عليها الجزائر يمكننا الى ان نشير الى  نصين المادة II ، الفقرة 1 التي تقضي  "بان كل دولة  متعاقدة تعترف بالاتفاقية المكتوبة التي التزم بمقتضاها الطرفان بتسوية كل الخلافات او بعضها التي تنشأ فيما بينهما و تتعلق بعلاقة قانونية معينة عقدية كانت او غير عقدية  و تخص مسالة يمكن ان تسوي على طريق التحكيم ....." اما النص الثاني  فهو نص المادة v ، 2 ، التي تقضي  "ان الاعتراف  وتنفيذ القرار التحكيمي يمكن ..... رفضهما اذا كان، حسب قانون هذا االبلد،
( البلد الذي يطلب فيه الاعتراف ) موضوع  االخلاف غير قابل للتسوية عن طريق التحكيم......" ويفسر النص الاخير في الاتجاه الذي يقضي بان عدم قابلية المنازعة للتحكيم تقيم طبقا لقانون البلد الذي يطلب فيه الاعتراف  بمعنى قانون القاضي.  loi du for  فلا مجال اذن لتفسير عدم قابيلية المنازعة للتحكيم حسب قاعدة  حسن النية او القاعدة التي تقضي بانه لا يجوز لأحد ان ينكر التزامه مع تحمل البطلان الموجود في تكوين العقد. و يبدو لنا على الاقل انه يجب التمييز بين فرضيتين .

ففي الفرضية الاولى يتمسك بالبطلان بعد التغيير التشريعي. فبعد ابرام العقد يتدخل المشرع و يصدر قانونا يجعل من العمليات التعاقدية المبرمة و المقبولة بدون جدوى .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
61) G coutumier la confirmation des actes nuls. Thèse. Paris. LGDJ, 1970 cité par B Opettit clunet 1984, page 37 et notamment page 52.
62) A Mebroukine : Les modes de conclusion des contrats dans les rapports commerciaux nord sud, in contrats internationaux et pays  en développement,  sous la direction de H .Cassan. Economica 1989 , page 28 et suivants, en particulier page 29. 
انظر القرار فرامتوميه، المرجع السابق، صفحة 63 (63
64)  J. Robert : L’arbitrage, Opecit note 470 page 384 .
J. Paulson L’immunité restreinte par entérinée par  la jurisprudence suédoise dans le cadre de l’exéquatur d’une sentence arbitrale étrangère rendue à l’encontre d’un Etat,  clunet 1981, page 545.
GR- Delaume : L’arbitrage transnational et les tribunaux américains, clunet , 1981,page 726 note 34,
في هذه الحالة فان الدفع بالبطلان غير مؤسس بل هو غير مقبول و لا يحتج به ضد المتعاقد، اننا نعتقد ان الدولة لا يمكنما،  حسب اهوائها، ان تغير تشريعها ، وان فعلت فلا يمكنها ان تفعل ذلك على حساب المتعاقد وهنا ايضا نعتقد انه يمكن تطبيق مبدأ الاستوبيل  estoppel  (65).

             وقد طبقه القضاء رغم أن تطبيقه كان محل جدل فقهي في الدول الرومانية الجرمانية (66).

 لا يمكن للمتعاقد (الدولة) أن تنفي الالتزامات المتخذة بحجة أنها أصبحت مستحلية بالتغيير التشريعي الذي يعتبر، بعد التمعن، صادر عنهان و في قضية فراماتوميه، فقد أجابت محكمكة التحكيم في هذا الاتجاه: ".... أن الوكالة الإيرانية لا يمكنها بأي حال من الأحوال كشخص قانوني طرف في هذه الإجراءات التحكيمية حول الاختصاص، أن تتمسك و أن تستفيد بالبطلان متمسكة بالمخالفات و الاختراقات الواردة على القانون الإيراني سواء كان بالعمل أو بالامتناع عنه من طرف هيئاتها الخاصة ...." (67). و في الحقيقة، لا يجوز لهذا المتعاقد أن يتمسك بخطئه من اجل التخلص من التزاماته حسب القاعدة التي تقضي انه لا يجوز  لأحد أن يستفيد من خطئه .

أما في الفرضية الثانية، يوجد البطلان في تكوين العقد، كحالة وجود نص آمر لا يسمح للدولة و لا للشخص المعنوي الاتفاق على التسوية التي كانت سارية المفعول أثناء إبرام العقد.

ففي هذ الحالة يمكن إثارة البطلان شريطة عدم وجود بداية التنفيذ. إن القضاء التحكيمي قد رفض هذا الدفع بصفة مطردة الشيء يسمح لنا أن نتساءل عما إذا لم يصبح الرفض (بمعنى رفض عدم قابلية المنازعة للتحكيم) مبدأ مستقرا.

و رغم هذا القضاء المطرد، يتعين عدم تجاهل القاعدة الآمرة المتعلقة بأهلية الشخص المعنوي العام، هذه الأخيرة تقيم حسب قاعدة مقبولة و معترف بها عالميا في القانون الدولي الخاص و هي: القانون الوطني. إنه لمن غير المقبول، بالفعل أن تحدد أهلية الدولة صاحبة السيادة أو أهلية هيئة عامة التي تساهم في مساعدة هذه الدولة بواسطة القانون الأجنبي. ثم أن القانون الأجنبي، و نقصد به القانون الداخلي لدولة أجنبية لا يمكنه أن يقيم أهلية دول أخرى غير الدولة  التي يصدر فيها.

و في الحالة العكسية، فمن الأهمية بمكان أن نعرف أن القاضي المطروح أمامه  مسألة تنفيذ قرار تحكيمي ليس محقا أن يرفضه. وحسب معلوماتنا فان القضاء الجزائري لم يفصل في هذه المسألة بعد. غير أننا لا نشك  أبدا بالنظر للتطور الذي عرفه القانون الجزائري ان يرفض تنفيذ القرار التحكيمي.

غير انه يجب القول ان في ميدان المعاهدات الدولية، فان صحة هذه الأخيرة في القانون الدولي العام تقيم طبقا لاتفاقية فينا المؤرخة في 23/05/1969 المتعلقة بقانون المعاهدات الدولية التي تسمح في فقرتها 1 من المادة 46، ببطلان المعاهدة في  حالة "الاختراق  الواضح"  لقاعدة "ذات أهمية سياسية". فهل يجب أن تنعنت، في ميداننا، على تغطية البطلان الواضح بحجة مبدأ حسن النية أو أي التزام آخر يقع على الدولة او على احد هيئاتها يتمثل في إخطار المتعاقد الأخر بقانونها. ألا نجعل المتعامل مع الدولة في وضيعة تفوق، في هذه الحالة، إذ انه يفترض في هذا الأخير تأقلمه مع نفس القواعد الموجودة في قانونه و لم يحرك ساكنا من اجل تفادي ذلك؟ وتجدر الملاحظة أن حظر التسوية ليس حكرا على الدول النامية. إن مجلس الدولة الفرنسي، مؤسسة عريقة في دول تقبل التحكيم الدولي قد فصل ضد تضمين  شرط التحكيم في عقد يتعلق بانجاز حضيرة  "اوروديسنيلاند" eurodisneyland  (68).




-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
65) J.Dargent : Une théorie originale du droit anglais en matière de preuve. La doctrime de l’estoppel. Thèse Grenoble Tourcoing. Imp. G. Frères. 1943, page 25 et ss.
 A A.Martin l’estoppel en droit international public précédé d’un aperçu de la théorie de l’estoppel du droit anglais paris pedone 1979 page 9 et ss.
E. Gaillard : l’interdiction de se contredire au détriment d’autrui comme principe général du droit du commerce international (le principe de l’Estoppel dans quelques sentences arbitrales récentes). Revue de l’arbitrage, page 241.
66)  M.Mayer revue de l’arbitrage 1985 Débats page 593. 
M.Reymond sa réponse sa à propos du principe de estoppel débat.ibid page 603 et 604).
67) قرار فراماتومي ،المرجع السابق ،صفحة 64)
68) Etudes et documents du conseil d’Etat. 1987 page 178.

لا و بل فقد اعتبر باطلا، الشرط التحكيمي المتضمن في عقد الإشغال العامة و لو إبرم بين شخصين خاضعين للقانون الخاص(69).

ولا يشك أحدا،  فيما يخص المؤسسات العامة أو حتى المؤسسات الخاضعة للقانون العام أن إنشاءها من لدن الدولة يفترض قرينة استقلاليتها مع الدولة، و بالتالي، فإنها  تكتسب أهلية قانونية. و رغم وجود هذه القرينة فيما يخص الاستقلالية و الأهلية ، يحبذ اتخاذ كل الاحتياطات من اجل التأكد من قدرتها على التسوية .

إن عدم قابلية المنازعة للتحكيم تظهر أيضا في العمليات التي تمس بسيادة الدولة بشكل حساس و هي الحالة التي تتمثل في التأميم .

أما فيما يتعلق بالعقود المتصلة بالسيادة الدائمة للدول على مواردها الطبيعية المعترف بها من طرف القانون الدولي و المطالبة به بصفة دائمة من طرف الدول النامية كقواعد أمرة، Jus cogens  فان القضاء التحكيمي قد كان جد مرنا. إذ باعترافه للدول بسيادتها على ثرواتها الطبيعية، فانه يميز بصفة مرنة بين السيادة نفسها و استعمال هذه السيادة. و يوجد نفر من الفقه بقيادة العميد احمد محيو يقوم بنفس التمييز لكن بصفة حذرة (70).

لكن من حقنا أن نتسأل حول معرفة ما إذا كان التمييز بين  سيادة الدول و ممارسة  السيادة  ليس وجها آخر أكثر لياقة من شانه أن يجمد السيادة نفسها. ألا نفرغ السيادة من كل محتواها، بعد أن نتعرف بها، إذا منعنا ممارستها أو على الأقل حصرناها في حدود تجعل الدولة تفكر مرتين قبل ممارستها.

وبدون أن نكون من مناصري الممارسة الحرة للسيادة بدون حدود، فإننا نقر بان هذه الممارسة تتدخل في إطار القانون الدولي مقابل تعويض عادل إذا تعلق الأمر بالتأميم. غير أن تقييم هذه الممارسة إنما يرجع إلى الهيئات القضائية للدولة التي مارست سيادتها. و بدون أن نكون من مناصري الشوفينية القانونية فإننا نعتقد وهذا يعني إعادة رد الأشياء إلى مكانها، إن تصرفا هاما، من الناحية السياسية، وخطيرا، من الناحية الاقتصادية، ومرتبط بسيادة الدولة يجب أن يخضع بقوة القانون لاختصاص الدولة. فهذه قاعدة معترف بها ومقبولة من مختلف الجمعيات العامة للأمم المتحدة .

إن فلسفة  رفض التحكيم من طرف عدد كبير من الدول النامية يعكس حيرة الفصل في تصرف سيادي من طرف مؤسسة أجنبية حتى و لو كانت مؤسسة التحكيم الدولي، الشيء الذي يثبت ترددها في الانضمام إلى مختلف الاتفاقيات الدولية في هذا الميدان وإلحاحها على إعادة "حصر" Relocaliser  خلافاتها. و لقد  تمت ملاحظته بحق إن "الذين ينفخون ريح الاقتلاع يجنون عاصفة الشوفينية القانونية الدنيئة (71).














ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(69) D.Foussard : le juge administratif et l’arbitrage (remarques à propos de l’arrét AREA du 03/03/1989. Revue de l’arbitrage 1989, page 167 et suivants ).

(70) A.Mahiou comment concillier le maintien des avantages de l’arbitrage avec l’adaptation
des procédures aux particularités des entités publiques, in 60 ans après.

(71) محيو، المرجع السابق، 60 سنة من بعد، صفحة 255 .
            القرار التحكيمي الأجنبي في ظل التشريع الجزائري :
أولا: الصعوبات المتعلقة بالقرار التحكيمي :
 ان الطرفين الذين ابرما اتفاقية تحكيمية مستعدين على تسوية خلافاتهما بطريقة تبتعد عن كل هيمنة قضائية آو تشريعية (72) ومن اجل ذلك يقبلان بدون اية صعوبة كبيرة الامتثال للقرارات التحكيمية وتنفيذها .
انه ليس مكتسبا، اولا، ان يتخلص القرار التحكيمي من كل صعوبة . إذ أن الكثير من الصعوبات يمكن أن تتجلى بالنسبة لتفسير أو لاستقبال القرار ألتحكيمي، و بالتالي، بالنسبة للمصير المخصص له من طرف الهيئات القضائية المستقبلة (المطلب الأول).
انه ليس مكتسبا، ثانيا، أن يعفى القرار التحكيمي، من أي نزاع حتى و لو كان القرار التحكيمي "سند يؤتمن له" (73) و مشمولا بحجية الشيء المقضي، يحول دون إعادة دراسة النزاع (المطلب الثاني)
انه لمن المفيد أن نذكر أخير، انه ليس مكتسبا ألا يصطدم القرار ألتحكيمي الصادر بطريقة مشروعة بدفع الحصانة القضائية او دفع الحصانة التنفيذية (المطلب الثالث).
المطلب الأول :استقبال القرار ألتحكيمي :
انه من المفيد أن تذكر بان المصادقة على اتفاقية نيويورك قد تمت بتحفظ. فالتحفظ الأول المتعلق بتجاربه المنازعة لا يتطلب حاليا اي تعليق، فلنذكر فقط أن التجارية لا تفسر بصفة ضيقة بل يجب أن تمتد إلى كل مصلحة ذات الطابع اقتصادي .
اما التحفظ المتعلق بالمعاملة بالمثل ليس اقل صعوبة لاسيما و أننا نعرف الشروط التي ينطبق فيها هذا المبدأ. و حسب المرسوم المؤرخ في 05/11/1988 المتضمن مصادقة الجزائر لاتفاقية نيويورك بتحفظ (74)،  فانه كما يدل عليه عنوانه، أشار فقط إلى انضمام الجزائر للاتفاقية بتحفظ، و ان الجزائر لم تبين شروط التطبيق و ان المرسوم المذكور صمت عن ذلك (75). فما هي اذن التحفظات، وما هو ميدان تطبيقها؟  لا شيء محدد. لذا فإننا نلتجئ الى الفرضالت. فهل ينطبق تحفظ المعاملة بالمثل فقط على الدول المتعاقدة بمعنى ان الجزائر لا تطبق بنود الاتفاقية النيويوركية الا على القرارات الصادرة في دول متعاقدة او حسب قانون هذه الدولة؟ او على عكس فانها تطبقها على الدولة المتعاقدة وعلى مواطني هذه الدولة بغض النظر عما إذا كان القرار التحكيمي قد صدر في دولة ثالثة؟ ففي الحالة الأولى، يبدو لنا أن تطبيق الاتفاقية واسع إذا يمكن ان تنطبق على القرارات التحكيمية الصادرة في دولة متعاقدة أو حسب قانونها حتى و لو كان القرار الصادر يتعلق بدولة غير متعاقدة أو على مواطني هذه الدولة . أما في الحالة الثانية،على عكس فان التفسير يكون أكثر ضيقا لان ميدان تطبيقها يقتصر فقط على القرارات التحكيمية المتعلقة بالدول المتعاقدة أو بمواطنيها حتى ولو كان القرار قد صدر في دولة غير.
وعند قراءة الفقرة 3 من المادة 1، التي تسمح بالتحفظ المتعلق بالمعاملة بالمثل بالنسبة للقرارات الصادرة في إقليم دولة متعاقدة، يمكننا القول أن كل قرار صادر فوق إقليم دولة متعاقدة يلزم في دولة أخرى متعاقدة حتى و لو كان قرار لا يخص دولة أخرى متعاقدة او كان قد صدر بين مؤسستين لا تنتميان إلى دول متعاقدة (76).

 (72) اذ يمكن، بارادة الطرفين انفصال الخلاف عن كل قانون وطني.
(73) J. Robert : La convention de New York du 10/06/1958 pour la reconnaissance et l’exécution des sentences arbitrales étrangères .Dalloz 1958 .Chro XXXII page 223 , et particulièrement page 226 .
  (74) مرسوم 05/11/1988 المذكور سابقا.
(75) و على عكس البلدان التي استعملت هذا التحفظ فقد حددت ميدان تطبيق التحفظ. فالدول الاشتراكية "سابقا" باستثناء المجر قد أعلنت أنها تطبق اتفاقية نيويورك بدون أن تكون ملزمة بذلك، و ان التحفظ الذي أبدوه يصبح بدون جدوى إذا منحت الدولة التي يصدر فيها القرار ألتحكيمي الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة فوق إقليم هذه الدول .                       R. David : L’arbitrage commercial international économica 1982, page 213.              
أما القانون الانجليزي فقد ابعد تطبيق الاتفاقية في الحالة التي يتعلق فيها التحكيم بطرفين انجليزيين، المرجع السابق ص 211.
(76) ويبدو ان هذا التفسير اعطاه السيد روبير عند تحليله للمادة 1 من اتفاقية نيويورك التي تنطبق على "القرارات  التحكيمية التي تصدر في دولة" غير "الدولة التي يطلب فيها اعتماد القرارات التحكيمية وتنفيذها " و بالتالي بدون ان تكون بالضرورة هذه الدولة نفسها دولة منظمة، و بالتالي بدون معاملة بالمثل .التحكيم المرجع السابق ،1983 صفحة 324،رقم 32 . ان هذا التفسير لا يبدو لنا مقنعا بالنظر للمادة 14 التي تقضي بعدم جواز الدولة المتعاقدة أن تستند الى احكام هذه الاتفاقية لمقاضاة دول أخرى متعاقدة الا بقدر ما تلتزم هي بتطبيق هذه الاتفاقية. و في هذه الحالة، يجب ان تكون الدولة حسب رأينا، بالضرورة منظمة .
ويعتبر هذا التفسير، حسب رئينا، خاطئ، فالدولة الغير متعاقدة لا يمكنها التمسك بقرار تحكيمي صادر طبقا لاتفاقية نيويورك في دولة أخرى متعاقدة. فالجزائر قبل مصادقتها على اتفاقية  نيويورك لا يمكنها الاحتجاج، و هذا أمر بديهي، بقرار تحكيمي صادر وفقا للاتفاقية حتى و لو كان القرار قد صدر في فرنسا. فهذه الأخيرة قد أمضت على الاتفاقية .
فالدولة التي لم تمض آو تصادق على اتفاقية نيويورك لا يمكنها التمسك بها و هذا مبين بوضوح في المادة 14 التي تقضي "لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تستند إلى أحكام هذه الاتفاقية لمقاضاة دول أخرى متعاقدة إلا بقدر ما تلتزم هي بتطبيق هذه الاتفاقية". و هذه هي الحالة بالنسبة لدولة متعاقدة ومن باب أولى أن تكون هذه هي الحالة لدولة غير متعاقدة. وبعبارة أخرى، لا يمكننا التمسك بقرار تحكيمي صادر طبقا لاتفاقية نيويورك الا اذا كانت الدولة موقعة او مصادقة و في الحدود التي تلتزم هي بتطبيق الاتفاقية، فضلا ان يكون القرار قد صدر في دولة متعاقدة .
واذا كان يسيرا الاطلاع على الدولة المتعاقدة و بالتالي حصر القرارات الصادرة فيها، فانه  من الصعب معرفة اذا كانت هذه الدولة تطبق الاتفاقية  ام لا؟ فالقاضي لا يحوز المعلومات الكافية في هذا الصدد و لا يمكنه ان يعرف ما اذا كانت هذه الدولة او تلك تطبق الاتفاقية على القرارات الصادرة في اطارها. و يصبح التحفظ المتعلق بالمعاملة بالمثل منتقدا وقابلا للانتقاد (77) .
وهنا يجب القول ان القاضي يصطدم بمشكل حقيقي. هل يجب ان يحرم الاتفاقية الدولية من كل قيمة قانونية في القانون الداخلي او وجب اعتبارها كاتفاقية مبتورة من قيمتها الفوق التشريعية؟  Valeur supra législative. ان تفوق المعاهدة قد خصصتة المادة 132 من الدستور الجزائري. فهل ان غياب المعاملة بالمثل بمعنى غياب تطبيق المعاهدة من الطرف الأخر سيحرم المعاهدة من قيمتها فوق التشريعية. فإذا كانت للمعاهدة قيمة فوق التشريعية، فالتحفظ المتعلق بالمعاملة بالمثل المدلى به هو، علاوة على قيمته فوق التشريعية، شرط أساسي من اجل إدماج المعاهدة في النظام القانوني الداخلي. فلا تنطبق إذن اتفاقية نيويورك. و أما مسالة معرفة ما إذا كانت لها قيمة فوق تشريعية ليست مهمة. فاذا كانت غير واجبة التطبيق لا مجال لمعرفة ما مكانتها في السلم التدرجي و لم يفصل، حسب معلوماتنا، القضاء الجزائري في هذه المسالة. اما القضاء الفرنسي فقد سبق ان فصل فيها سواء كان قضاء مجلس  الدولة او قضاء محكمة النقض (78)، و لو أن هذه الأخيرة قد تاثرت بضرورة  عدم احراج السلطة التنفيذية في صلاحياتها الدبلوماسية، لما قررت ان "في غياب اية مبادرة من الحكومة قصد فسخ الاتفاقية او توقيف سريانها، فليس للقاضي ان يقيم احترام شرط المعاملة بالمثل المبين في العلاقات بين الدول بموجب المادة 55 من الدستور (79) .
وقد تظهر صعوبة أخرى أمام القاضي المكلف بالتنفيذ.  كيف يعرف ان طرفا في النزاع، اذا وجد نزاع، يطبق الاتفاقية، أو أن هذا الطرف مواطن لدولة تطبق الاتفاقية؟  فهل هو مختص بتفسير الاتفاقية الدولية. فالقاضي، حسب راينا، في موقف لا يسمح له بمعرفة ذلك لانه لا يحوز على المعلومات الضرورية، فضلا ان ذلك ليس من اختصاصه طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 90/359 المؤرخ في 10/11/1990  المحدد لصلاحيات وزارة الشؤون الخارجية التي تربط تفسير المعاهدات بالاختصاص الاستئثاري لوزير الشؤون الخارجية (80) .


 (77) م يسعد يبعد كل تحفظ متعلق بالمعاملة بالمثل بالنظر للصعوبات التي يلاقيها تطبيقه – المرجع السابق ،صفحة 81 و 82)  .
 78) Cass .Crim . arrêt Males. Recueil des décidions criminelles, page 1972. On pouvait lire : « attendu (que) il était nécessaire de rechercher ….. si les conditions de réciprocité édictées par article 55 de la constitution se trouvaient réunies, en l’espèce, tant en ce qui concerne les dispositions de la convention elle-même que celle de l’annexe 9 ».
CE section du contentieux 3e  et  5e  sous section réunies .Ass 29 mai 1981, arrêt Rekhou . Dalloz 1982, Jurisprudence, page 137, note giles  Calonec, Clunet 1982, page 437, note J. Cappez.
ويجب مع ذلك التنويه ان شرط المعاملة بالمثل مبين صراحة في المادة 55 من الدستور الفرنسي. و هذا ربما ما سمح، خاصة للقضاء الفرنسي الفصل في هذه المسالة. فالأمر ليس كذلك بالنسبة للدستور الجزائري الذي لا يبين صراحة هذه الحالة- فمن الممكن أن يفصل القضاء الجزائري في اتجاه معاكس. و في كل الحالات يحبذ أن تدرس المسالة حالة بحالة. فالقاعدة التي جاء بها الدستور الفرنسي هي قاعدة  موضوعية جعلت من المعاملة بالمثل شرطا لتطبيق المعاهدة. فالحال ليس كذلك في الجزائر. فالتحفظ المتعلق بالمعاملة بالثل هو، حسب رأينا، تحفظ اختياري متروك لتقدير الدولة التي تستطيع توقيف تطبيق سريان الاتفاقية في الجزائر إذا لم يطبقها الطرف الأخر، فالكثير من الدول لم تدل بهذا التحفظ . إن هذا التفسير يجب ان يخضع لاختصاص السلطة التي وقعت على الاتفاقية .
(79) Cour de cassation, 1e Ch Civ, 06/03/1984 kryla C/ dame Kappy, Clunet 1984 page 859, note Chappez.
80) الجريدة الرسمية رقم 90 صفحة 1345 بتاريخ الأربعاء 10/11/1990 الذي يقضي في مادته 11 ما يلي : " أن تفسير المعاهدات، الاتفاقيات، البروتوكولات، و الأنظمة الدولية من اختصاص وزير الشؤون الخارجية. فهو يدعم تفسير الدولة الجزائرية لدى الحكومات الأجنبية، وعند الاقتضاء أمام المنظمات آو الهيئات القضائية الدولية و كذلك أمام الهيئات القضائية الوطنية "

لذا فمن المنطقي ان يطرح هذا السؤال  على السلطة المعنية بواسطة المسالة الأساسية "   Question préjudicielle             
إن هذه الطريقة في حل المسالة لا تخلو من الصعوبات فهي تممدد في عمر النزاع. و تولد مصاريف إضافية مما يخالف ماهية التحكيم المتميز ب "السرعة" في تسوية الخلافات. و توجد صعوبة أخرى أكثر خطورة لان الأمر يتعلق بالتحكيم الدولي، يكمن في جعل الدولة، لما تكون هي او احد هيئاتها معنية، حكما و خصما في نفس الوقت. فهل من المنطقي  أن نسال الدولة، الطرف في قرار تحكيمي أن تدلي برأيها حول قابلية الاتفاقية الدولية المتعلقة بالقرار ألتحكيمي للتطبيق لاسيما و ان تفسيرها سيؤثر على مجريات الحكم وليس للقاضي مخرجا أخر إلا الرضوخ لهذا التفسير؟

 أليس هذه الطريقة، طريقة تحكمية،  تفضل الدولة على حساب المتعامل الأجنبي؟ فقد لا تكون الدولة بالضرورة طرفا في النزاع فقد تكون مؤسسة عامة،  بل و حتى مؤسسة خاصة معنية بالنزاع. حقيقة، لكن في هذه الحالة ألا يوجد خطر ميلاد نوع من "التضامن الوطني " من الناحية العملية على حساب المتعامل الأجنبي.

أننا لا نفترض سوء نية السلطة التي تتدخل لتفسير الاتفاقية الدولية لاسيما و ان التفسير السيئ آو التفسير التعسفي من شانه أن يقيم مسؤولية الدولة تجاه المجتمع الدولي .غير ان هذا الأمر هنا يتعلق بمسالة أخرى .

و من اجل ذلك أليس من المستحسن أن يفسر القاضي نفسه المسالة المتنازع فيها المتعلقة باتفاقية نيويورك لاسيما لما تكون المسالة المطروحة عليه مسالة واضحة ولا يمكن أن تثير تفسيرات متناقضة. توجد قاعدة تقليدية : نظرية التعرف الواضح "théorie de l’acte clair " تدعونا للرد بالإيجاب (81).

ان القاضي أمام هذا النزاع الذي لا يشوبه أي غموض من حيث التفسير، لاسيما لما تكون الدولة معنية، يجب أن يبتعد بقدر الإمكان عن الإحالة بواسطة المسالة الأساسية، لكن الأمر ليس سهلا كما يبدو .

فالقاضي لا يحوز على المعلومات الضرورية من اجل القيام بذلك. إن الأعمال التمهيدية للاتفاقيات الدولية تسمح في جزء كبير منها عبر المفاوضات و الحوارات وحتى المساومات التي سبقت المصادقة على الاتفاقية الدولية تسمح بتنوير الباحث،  و في هذه الحالة القاضي من اجل الميل نحو هذا التفسير او ذاك . لكن هذه الأعمال توجد لدى السلطات التي شاركت في المفاوضات. علاوة  على ذلك، فان روح اتفاقية الدولية المتعددة الأطراف تتوجه نحو التوحيد في التطبيق. و بإعطاء القاضي إمكانية  التفسير بنفسه لأحكام الاتفاقية الدولية فإننا نحول دول الوصول إلى تفسير موحد. فالتفسير الذي يقدمه القاضي الجزائري لا يشبه بالضرورة التفسير الذي يقدمه القاضي الأجنبي. أضف إلى ذلك فان نفس الحكم يمكن أن يقع محل تفسيرين متناقضين حسب ما إذا كان صادرا عن هذا القاضي او ذاك في نفس البلد (82). اننا نفضل بأسف كبير ألا ينطلق القاضي في هذا العمل الصعب و الغير مطمئن و أننا نعتقد انه من المستحسن ان يطرح القاضي سؤاله للسلطة التي صادقت على الاتفاقية الدولية عن طريق المسالة الأساسية. أننا لا نجهل النتائج الخطيرة المتولدة على هذا الاجراء، غير انه يبدو لنا انه الاجراء  الذي يتضمن اقل العيوب .

وبعد تسوية مسالة القيمة القانونية للاتفاقية الدولية و الوسائل التي تضمنها  كل أثارها، تطرح مسالة اخرى، وهي مدى القرار ألتحكيمي الاجنبي ودرجة الحجية الرتبطة بها   .








(81) A. Mahiou : Cours de contentieux admistratif  Fasc 2. Les recours juridictionnels OPU, page 184.
R . Abraham : Droit international, droit communautaire et droit français, Hachette, 1989, page 97 et ss .
(82) شابيز: الملاحظة السابقة ص 866.
المطلب الثاني:   حجية الشيء المقضي الممنوحة للقرار التحكيمي.
يخلط بعض المؤلفين بين نهاية définitivité  القرار وحجة الشيء المقضي الممنوحة لنفس القرار (83) وقد تساءلوا حتى حول معرفة ما إذا وجب استعمال كل طرق الطعن لتكييف القرار التحكيمي بالنهائي (84) .
ان اتفاقية نيويورك تكيف القرار ب "الإجباري" (85) وعبارة إجباري تعني، حسب رأينا، أن القرار قد اكتسب حجية الشيء المقضي فيه بمعنى انها دفع بعدم القبول يمنع القاضي او ( الحكم حسب الحالات ) من اعادة  دراسة الخلاف من جديد بغض النظر عما اذا كان القرار نهائيا ام لا .
غير ان السيد ساندرس (86) لا يرى إجبارية القرار من هذه الزاوية. فهو يرى ان القرار يصبح إجباريا "لما تستنفذ طرق الطعن العادية، وبقاء طرق الطعن غير العادية قائمة لا يمنع القرار أن يصبح إجباريا".
 إننا نعارض هذ الرأي، فانه لا يعكس روح اتفاقية نيويورك. إن ربط إجبارية القرار باستنفاذ طرق الطعن  حتى و لو كانت عادية يحول القرار الإجباري إلى قرار نهائي و مصطلح نهائي قد رفضت اتفاقية نيويورك اتخاذه لحسابها (87).
و في القواعد العامة يفهم من القرار النهائي القرار الصادر في أخر درجة  en dernier ressort  و الذي استنفد طرق الطعن. و يستعمل أيضا مصطلح قطعي Définitif  للكلام عن القرارات التي فصلت في الموضوع (88). لكن محرري اتفاقية نيويورك قد استبدلوا مصطلح "نهائي " المبين في اتفاقية جنيف بكلمة إجباري حتى يعفى القرار ألتحكيمي من طرق الطعن العادية بدون يضيع صيغة الإجبارية. ومن اجل هذا وعلى غرار الفقه الراجح (89)، يبدو لنا  أن مصطلح " القرار الإجباري" يقصد به القرار التحكيمي و


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(83) A.Mebroukine .thèse précritée ,page n°37
(84) وعند تحليله لعبارة اتفاقية نيويورك لسنة 1958 اخلط نفس المؤلف بين القرار الإجباري Sentence  obligatoire  و القرار النهائي sentence définitive  بينما مصطلح نهائي المبين من قبل اتفاقية جنيف بتاريخ 1927 يعني في نظر محرريها تكملة إجراء الصيغة التنفيذية في البلد الذي صدر فيه القرار، فان المصطلح إجباري "المستعمل عمدا " يعفي الطرف الرابح من الصيغة التنفيذية المزدوجة ويقلب عبء الإثبات لفائدته .
P.Sanders «Vingt années de la convention de New York de 1958. DPCI, 1979 N° 3, Page 359.
(85) المادة 5،1 من اتفاقية نيويورك المذكورة .
(86) ساندرس، المرجع السابق، صفحة 369.
(87) ويبدو  أن السيد ساندرس يدمج "النهائية " ب "الإجبارية " حتى و لو حاول التميز بينهما. إننا نعتقد من جهتنا بان عبارة إجبارية تعني "اكتساب حجة الشيء المقضي " ، و من جهة أخرى لا باس أن نذكر أن السيد كارابييه لا يشترط استنفاذ طرق الطعن العادية لكن لا يبعده أيضا. و بالنسبة له فالقرار "يشكل سند يؤتمن له" منذ البداية وانه بعد دراسة موجزة للقرار  المطلوب تنفيذه يحضي بالصيغة التنفيذية                           :  CH.Carabiber  
L’exécution des sentences arbitrales étrangères. Jurisclasseur droit internationl. fase 587, page 227.
 88)  Y. Vincent et S.Guinchard : Procédure civile. 20é édition, Dalloz, page 684 et suivants.
   89) ج . روبرت: دالوز، المرجع السابق ، ص 227 . بالنسبة لهذا المؤلف وجب التمييز في المعنى الذي يمنح لعبارة "إجباري"  فهو يعتقد إن مصطلح إجباري ألا يفهم بمعنى أن القرار  قد اكتسب حجية الشيء المقضي لكن فقط بأنه "يربط الطرفان بحجية الشيء المقضي" .
أننا لا نفهم هذا التمييز الذي جاء به المؤلف الكبير فهل يفهم بأنه يربطه باستنفاذ طرق الطعن؟ او ان القرار لا يحتج به اتجاه الغير؟ في الفرضية الأولى فإننا نقدم الحجج التي سبق أن قدمناها للسيد ساندرس. أما في الفرضية الثانية، فإننا نرى ذلك منطقيا لأن القرار لا يحتج به الا تجاه الأطرف الحاضرة في الخصومة . ولا نرى إذن أي مبرر يسمح بهذا التمييز.
في هذا الاتجاه أيضا .
J.D Bredin et Y. loussouarn : Droit du Commerce International. Paris Sirey 1969 , page 115.
A Kassis : Problèmes de base de l’arbitrage en droit comparé et en droit international : tome 1, LGDJ 1987, P 368 N°490.

ربما  يمكن أن يقع محل قرار جديد يفصل في الموضوع " (90) بمعنى انه اكتسب حجية الشيء المقضي لا يغير من شيء في انه يخضع لطرق الطعن العادية (91) .
ليس ضروريا ممارسة و استنفاد طرق الطعن بصفة مسبقة ، ولو كانت عادية، لتكييف القرار بالإجباري . إن القرار يكتسب حجية الشيء المقضي ابتداء من منطوقه (92) وقد استقر القضاء الجزائري في هذا الاتجاه حتى لو نستخلص في اغلب الأحيان خلطا بين حجية الشيء وقوة الشيء المقضي فيه (93).
            وفي هذه المرحلة من ملاحظاتنا، لا يسعنا إلا إنا نضيف حجة أخرى لأن المادة 460 من القانون المدني  تمنح حجية الشيء للحقوق و المزاعم المفصول فيها عن طريق المصالحة. و ما هو مقبول بالنسبة للمصالحة مقبول أيضا بالنسبة للقرار التحكيمي (94).
أخيرا أننا نتبنى التفسير الذي جاء به السيدين برودان ولسوارن الذين أعطيا، حسب ما نعتقد، أحسن تفسير لمصطلح القرار الإجباري "الذي يتجه اتجاه  القرار النهائي و الذي يتعارض مع القرار التمهيدي" (95) .
ونبرر هذا الموقف بعدة أسباب :        
أولا، في الشريعة العامة، يفهم من القرار المشمول بحجية الشيء المقضي فيه القرار الذي لا يقبل إعادة الفصل لما تجتمع الشروط التي يشترطها القانون (96) حتى و لو لم يصبح القرار قطعيا بمعنى يقبل كل طرق الطعن و صدر نهائيا (97).
واخير فان  حجية الشيء المقضي ليس، كما سبق أن قلنا، إلا دفعا بعدم القبول يخص الطرفين المتنازعين فقط و بهده الصفة فلا يحتج بها تجاه الغير كما لا يمكن للقاضي ان يثيرها من تلقاء نفسه (98).

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(90) A J Vandenberg : The New York Arbitration convention of 1958, kluner Deventer 1981 , page 342.
ويقيم الطابع الإجباري حسب قانون الدولة التي صدر فيها القرار إذا " تخلى الأطراف عن الاستئناف محل الطابع الإجباري منذ صدور القرار ".
ج.روبرت : المرجع السابق، صفحة 346 رقم 65 . وهنا أيضا ترتبط الإجبارية ، حسب السيد روبرت بإمكانية الاستئناف. بعبارة أخرى إذا كان الاستئناف مفتوحا ضد القرار ألتحكيمي فهو غير إجباري أليس هذا من شأنه أن يجعل من طرق الطعن شرط لحجية الشيء المقضي و تحريف،  بالتالي،  روح اتفاقية نيويورك التي لا تربط إجبارية القرار بأي طريق من طرق الطعن .
(91) في القواعد العامة، يمكننا أن نتصور و بكل بساطة أن القرار  الصادر ابتدائيا يكتسب حجية الشيء المقضي بمعنى انه يمنع نفس القاضي من اعادة الفصل في نفس النزاع. و ما هو مطبق على القاضي يطبق أيضا على المحكم. فلا يمكنه أن ينظر في نفس النزاع لان حجية الشيء المقضي تحول دون ذلك.( المحكمة العليا  رقم 34849 بتاريخ 31/12/1984، المجلة القضائية ، رقم 04، صفحة 111.)
            و يرى السيد لوزاطو أن "القرار الإجباري و لو كان يقبل الطعن بالطرق الغير عادية كما هو الشأن بالنسبة لدعوى البطلانن فإن هذه الدعوى، إذا كان القانون الواجب التطبيق يقبل ذلك، لا تمنع القرا أن ينتج أثره الإحباري تجاه الأطراف.
International commercial arbitration and the law of states. RCADI 1977, vol 157, page 82, cité par A. KASSIS , op.cit, page 369, n° 491.                                                                                                                 
 (92) A . Mahiou : L’arbitrage en Algérie. Rev  Alg.sci.jur. éco et pol, n° 4, Décembre 1989, page 725.
M.Mentalechta : L’arbitrage commercial en droit algérien.OPU, Alger 1983 page 87.
Y.Bekkouche : Les moyens de preuve en droit algérien et en doctine musulmane 2e édition .ENA- EL Harrach Alger 1988 page 371 et suivants. en arabe.
(93) ان القضاء الجزائري ليس مكتسبا ولا موحدا. و قد نجد عدد القرارات بعدد المحاكم . و تستقبل حجية الشيء المقضي فيه على أساس المادة 338 من القانون المدني التي لا تتضمن إلا الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي. محكمة سطيف 17/03/1990 رقم 829 (غير منشور) مجلس قضاء سطيف 10/05/1989 رقم 741 (غير منشور .)
(94) م. منطلشطة : المرجع السابق، ص 87.
(95) لوسوارن و برودان : المرجع السابق، صفحة 115 .
(96) الشروط المبينة بنص المادة 338 من القانون المدني هي نفس الأطراف التي تترافع بنفس الصفة في حقوق لها نفس المحل ونفس السبب .
(97) فانسان و قانشار – المرجع السابق، صفحة 114.
98) المحكمة العليا رقم 34931 بتاريخ 30/10/1985 المجلة القضائية ، العدد 3 صفحة 8) .

وفيما يخص القرارات التحكيمية الاجنبية فقد قرر المشرع منحها حجية الشيء المقضي  منذ صدورها (المادة ... مكرر من قانون الاجراءات المدنية ). و يمكننا القول اكثر من ذلك ان "حكم التحكيم" يكتسب قوة الشيء المقضي اذا صدر بعد "الاستئناف او التماس اعادة النظر" (99).
اخيرا لا باس ان نشير، لتدعيم حجية الشيء المقضي الممنوحة للقرار التحكيمي، الى المادة 3 من اتفاقية  نيويورك التي تنص بان الدول المتعاقدة  ".......تقر....... سلطة اي قرار تحكيمي و توافق على تنفيذ هذا القرار...."  إن استعمال كلمة "سلطة " autorité   قد وردت بقصد توضيح قرينة الحقيقة التي يتضمنها القرار و لا يمكن ان تفسر في الاتجاه الذي يقضي بان القرار مكتسبا لحجية الشيء المقضي .
اما الاعتراف و لا سيما تنفيذ القرار التحكيمي الأجنبي لا يمكن  فيه ان يتم بعد الاستعمال اجراءات امر بالتنفيذ.
و تطرح أمام قاضي التنفيذ مشكلة اخرى وهي مسالة الحصانة التنفيذية .

المطلب 3: الدفوع المتعلقة بالحصانة
يصطدم قاضي التنفيذ بدفع الحصانة التنفيذية . ومما لا يشك فيه ان الدولة المحكوم علها بموجب القرار التحكيمي يمكنها  ان تعارض تنفيذه مستعملة حصانتها التنفيذية (الفرع 2) .لكن قبل التطرق الى مسالة الحصانة التنفيذية لا باس ان نعالج مسالة الحصانة القضائية لوجود تشابه كبير بين المساليين . (الفرع الاول) .
الفرع 1: دفع الحصانة القضائية .
منذ زمن بعيد و باستثناء ارادة الدولة الاجنبية الواضحة و الغير مبهمة في الخضوع لاختصاص الهيئات  القضائية لدولة اخرى ،فان الاعتبارات الخاصة بمبدا "المجاملة بين الدول " باحترام استقلالية سيادات الدول الاجنبية قد منعت المحاكم الوطنية من الفصل في المنازعات التي تكون فيها الدولة الاجنبية طرفا  فيها (100).
وقد ارتكز الاساس القانوني لهذا المبدا على المساواة فيما بين الدول  لا يجوزلاية دولة ان تراقب نشاط دولة اخرى ، لا يمكنها ان تصدر اوامر اثناء ممارسة نشاطاتها .ومن هنا كان غير متصور السماح للهياكل الوطنية و لا سيما الهياكل القضائية ان تام راو ان تمتع الدول الاجنبية من ممارسة نشاطها (101).
و كان الحذر الدبلوماسي  يفرض عدم اختصاص كلي للمحاكم الوطنية تجاه  الدولة الاجنبية .
غير ان دخول الدولة بقوة في الاعمال الاقتصادية ، ومساهمتها في ابرام عقود تخضع اكثر فاكثر للقواعد العامة قد ولدت رفضا متزايد لمنح الحصانة القضائية للدولة الاجنبية .ان هذا التطور قد مر بعدة مراحل تختلف حسب القوانين وحسب البلدان (102) وقد ظهر مبدا الحصانة القضائية كامتياز يسمح للدولة الاجنبية للحصول على حقوق و الاحتجاج بها بغير حق تارة ،تجاه الافراد الذين تعاقدت معهم وترفض تنفيذ التزاماتها تجاههم ،فاصبح المبدء متنقدا.


------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
99) يلاحظ ان هذا التفسير خاص بالقرارات التحكيمية الداخلية .ان تفسر منطقي للفقرة 3 من المادة 446 من قانون الاجراءات المدنية التي تسمح بهذا التبرير اذا يمكننا القول ان القرار  التحكيمي الصادر بعد الاستئناف يكتسب قوة الشيء المقضي بمعنى انه لا يقبل التصدي له من جديد باية طريقة من طرق الطعن العادية و يبقى على طرف الخاس الالتجاء الى ابطال القرار التحكيمي لما تجتمع الشروط المستوجبة قانونا ..)
 (100) B. Trachenberg : l’immunit é judiciaire de l’Etat et les représentations commerciales de l’URSS à l’étranger . RCDIP 1931 page 758.
(101) C. Freyria : Les limites de l’immunité de juridiction et d’exécution des Etats étrangers R.C.D.I.P, 1951, page 207 et en particulier page 211 et suivants.
(102) PH. Leboulanger : OPECIT , Contrats d’Etat , page 273 et suivants .

و من اجل تعويض "عدم المساواة فيما بين المتعاقدين " قدمت عدة اقترحات قصد الحد من صرامة مبدأ الحصانة. فوجب اذن التمييز بين فئتين من التصرفات المتعلقة بالسيادة Actes jure imperii    و تصرفات التسيير Actes jure Gestionnis  .
و في الفئة الاولى، تتصرف الدولة بكل سيادة و تحتل أعلى من مرتبة الفرد، اما في الفئة الثانية، فانها تتصرف مجرد ة من كل سيادة و تحتل مرتبة متساوية مع مرتبة المتعاقد الاخر (103) .
وقد اتخذ القضاء هذا المعيار المستنبط من طبيعة النشاط (104) اين منح امتياز الحصانة لان العقد المتنازع فيه  يرتبط بصلاحية  السلطة العمومية (105).
وهكذا، فان التمييز بين تصرفات التسيير العام و تصرفات التسير الخاص مهما كان مغريا فانه لا يخلو من الصعوبات .
اولا : انه من السهل صياغته لكن من الصعب تطبيقه . وقد قيل ذلك فعلا (106).
ثانيا: فهو بمثابة توسيع القانون الدولي لمبدأ خاص بالقانون الداخلي الفرنسي . فالتمييز بين التسيير العام التسيير الخاص ليس معمولا به في كافه الأنظمة القانونية (107) لاسيما و أن معيار التمييز المقبول في القانون الفرنسي ليس محددا. (108) و باللجوء و الاستناد على قانونهم العام الداخلي من اجل تكييف تصرف الدولة الأجنبية فان القضاة "لا يسعون إلا في إضافة الغموض لان صحة مثل هذه التفسيرات مشكوك فيها" (109).
ان الصعوبة الأساسية في نظرية الحصانة الضيقة تكمن في إدخال مفاهيم مستنبطة من القانون الخاص الداخلي في مادة تنتمي الى قانون الشعوب. لكن هل يوجد معيار أحسن من معيار الحصانة الضيقة؟ إننا نعتقد في العلاقات الاقتصادية الدولية، ان استعمال أساليب القانون الخاص في إبرام العقد، و في تكملة التصرف المعني هو المعيار الأصلح حتى ولو كان يؤدي إلى نوع من "الحكم المسبق من اجل تكييف العقد طبقا لقانون القاضي(110)". 
أما في الجزائر، فقد تمسك احد المؤلفين بدون تحفظ بالنظرية التي تقضي بان لا مجال لتطبيق الحصانة  القضائية لاسيما بالنسبة " للوظائف الاقتصادية التي تتكفل بها الدولة و التي تبعد كل معنى الحصانة  القضائية" (111).


-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------103) G . de la paradelle : La saisie des fonds russes à berlin. RCDIP 1910, page 784.
(104) Paris : Etat espagnol c/ S.A  de l’hôtel  georges V, 25/02/1971.
(105) Cass Civ  Ch Civ  08/12/1964 , Clunet 1965,  page 416 .
Entreprise Pérignon et autre c/ Etats  Unis d’Amérique .Note JB Sialelli. On pouvait lire : « attendu qu’ il résulte des énonciations de la cour d’appel que les contrats litigieux passés par un organisme contractant sur l’ordre et pour le compte d’un Etat étranger avait pour objet  d’ assurer le logement des fonctionnaires américains chargés d’appliquer  en France la convention de coopération économique européenne dite « Plan Marshall » et qu’ ils contenaient des clauses exorbitantes de droit commun se rattachant aux prérogatives  de puissance publique des Etats Unis » qu’ au vu de ces constatations l’arrêt attaqué a pu considérer que les actes litigieux étaient couverts par l’immunité de juridiction et qu’ en statuant comme elle a fait , la cour d’appel a légalement justifié sa décision.
106) Ch.Carabiber : le concept de l’immunité de juridiction doit-il être révisé  et dans quel sens ? Clunet 1952,  page 454 et suivants.
(107) مع بعض الاختلاف في القانونيين الأمريكي و الانجليزي. فالطبيعة التجارية للنشاط المتنازع فيه سمح للمحاكم الأمريكية رفض الحصانة القضائية و لاسيما بعد اتخاذ قانون Foreign Soverei Immunities Act 1976
انظر Gr Delaune    المرجع السابق، صفحة 788.
 ونفس الشيء يمكن ان بالنسبة للقانون الانجليزي        Ph le boulanger : OPECIT, P 282 et
H .Synvet : Quelques réflexions sur l’immunité d’exécution de L’Etat étranger. Clunet  1958, page 876 .
(108) J .C Venezia et Y.Gaudemet : Traité de droit administratif de A. Delaubadere,   LGDJ 1984 , 9e Edition , page 41 à 58 .
(109) F. Rigaux : Droit public et droit privé dans les relations internationales. Paris Pedon, 1977.
110) Le Boulanger, Ibid. page 281.
(111) Ali bencheneb : Les mécanismes juridiques des relations économiques internationales de l’Algérie. OPU 1984, page 48.
ما يمكن أن يقال على هذه النظرية أنها جريئة لان حذف الحصانة القضائية على الدولة و على الهيئات العامة لكونها تمارس نشاطات تجارية هو ضرب من الخيال.
أولا لأنه لا يوجد أي شيء يؤكد لنا بان الفوائد المحصلة من النشاط التي تمارسه الدولة آو احد مؤسساتها العامة يعاد توظيفه في عمليات تجارية بحتة .
ثانيا، انه لمن النادر جدا بالنسبة للدولة التي تتصرف في الشكل التجاري و حسب قواعد القانون الخاص أنه لا تستهدف تحقيق المنفعة العامة أو أهداف المنفعة الوطنية. فعقد البيع المتعلق بالأسلحة أو بمنشأة نووية و إن كان مبرما حسب الأشكال  التي يفرضها القانون الخاص فانه يتضمن في طياته مميزات المنفعية الوطنية.
ويجب مع ذلك التنويه، انه في غياب القضاء الوطني، فإننا نحبذ إبعاد الحصانة  القضائية، لكن فقط في الحالة التي تسمح بها المنازعة المطروحة و يبرر هذا الإبعاد ، حسب  رأينا بسببين على الأقل .
الأول لان القانون يجب أن يكون واقعيا و بالتبعية ان ينطبق بصفة ملموسة حسب المتطلبات الاقتصادية .
ثانيا : و من اجل الوصول الى انصاف اكبرمن جهة اخرى لا يجوز للدولة  او احد اشخاص القانون العام ان يحتج بالحصانة القضائية على حساب المتعاقد الاخر، من اجل التخلص من المتابعة القضائية بينما هو يمكنه اللجوء الى المحاكم قصد المطالبة بحقوقه فان مبدأ حسن النية يحول دون ذلك .
ومهما يكن، فان المسالة تطرح بكيفية أخرى امام المحكمة التحكيمية هل يجوز التمسك بالحصانة القضائية؟ لقد تم الرد على هذا السؤال في عبارات لا تدع اي مجال للغموض "لا مكانة للحصانة القضائية، سواء كانت الدولة طرفا في تصرفات متعلقة بالتسيير أو تصرفات متعلقة بالسيادة  في ميدان التحكيم التجاري الدولي . و هذه نتيجة اضافية تستنتج من ان المحكم لا ينطبق بالعدالة باسم الدولة لكن ينفذ مهمة اسندها له الاطراف" (112).
ان هذا الرد مغري بحق. فالمحكم ينطق بالعدالة باسم الاطراف الذين اسسوه و اهذا السبب لا يثير مسؤولية دولية تجاه دولة اخرى و يصبح الدفع المتعلق بالحصانة القضائية غير مبرر لكون السيادة ليست معنية.
ولقد احتج مؤلفا اخر على هذا التاكيد (113) لانه لا يفهم لماذا "نقر أن المساس بالسيادة من طرف الفرد يكون مقبولا اكثر من مساسها من طرف هيئة دولانية ".
اننا نعتقد ان مثل هذا المواقف تغير من المشكلة. و بالفعل لا يقبل اي مساس يستهدف سيادة الدولة او مصالح الافراد. فالمسالة لا تطرح في عبارات المساس بسيادة الدولة، فالحصانة القضائية هي مبدأ من مبادىء قانون الشعوب و لا يمكنه ان يخضع الا لقانون الشعوب . و التحكيم التجاري الدولي هو تحكيم لا يخضع لقانون الشعوب، لذا لا تطرح اذن مسالة الحصانة القضائية لكن لا طائل من التخلص من الالتزامات المتفق عليها بحجة ان احد الطرفين دولة ذات سيادة.
و علاوة على ذلك فاننا نعارض اي قرينة توحي بالتخلي عن الحصانة بمجرد ان الدولة طرف في النزاع قد ابرمت اتفاقية تحكيمية. فوجود هذا الشرط لا يعكس بالضرورة هذا التخلي فهو لا "يخوصص" ايضا العقد الذي يندمج فيه . واذا تمسكنا بعدم  اختصاص محكمة التحكيم في كل مسالة تتعلق بالسيادة فهذا لا يرجع الى ان الدولة تستفيد من امتياز الحصانة لكن المنازعة لا تقبل التسوية عن طريق التحكيم. ان مفهوم التحكيم التجاري كما نعتقد يجب ان يفصل عن مسالة الحصانة القضائية و يعتقد الاستاذ فوشار ان الحصانة القضائية  التي تستفيد منها الدولة لا تثار هنا لان السيادة الدولة ليست معنية (114).



-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------(112) Y. Derains : Sentence intérimaire rendue dans dans l’affaire 2321 en 1974. Clunet 1975 , page 938 et particulièrement page 944 .
  (113) A. Mezghani : Souveraineté de l’Etat et participation à l’arbitrage . Revue de l’arbitrage 1985 page 542 et en particulier page 569.
114) Ph Fouchard : L’arbitrage commercial international , OPECIT  N° 162.
ان الطابع التعاقدي للتحكيم يفرض عدم التمييز بين طبيعة التصرفات التي تخضع للمحكمين . ولا يهم ان كانت التصرفات تتعلق بالسلطة العامة او بالتسيير الخاص اذ يمكن تقييم التصرفات الاولى و الثانية على حد سواء و لا يمكن، حسب راينا، طرح مسالة الحصانة القضائية الا امام هيئة قضائية. و في هذا الوقت  و امام  هذه الهيئة فقط يجب التمييز بين التصرفات التي نفذتها الدولة. و طرح مسالة معرفة ما اذا كان ابرام اتفاقية تحكيمية من شانه ان يمتد الى الهيئة القضائية ، بمعنى انه عبارة  عن تخل عن التمسك بها.
ويرى السيد بورك، انطلاقا من مبدأ العدالة ان ابرام شرط تحكيمي و دمجه في العقد يعني تخل عن التمسك بالحصانة القضائية و بالنسبة له لا يمكن ان تفسر الاتفاقية  الا تفسيرا و اسعا (115).
ويبدو لنا هذا التاكيد مستعجلا كيف يمكن ان نعطي اثرا لتصرف ابرم في اطار اجراء تحكيمي و نوسعه  لاجراء اخر و هو اجراء دولاني؟ فالتسوية التحكيمية للمنازعة لا يمكن ان تمتد الى تسوية قضائية حتى و لو كانت محكمة الدولة قد تدخلت بمناسبة نزاع يتعلق بالتحكيم .
ان مؤسسة التحكيم مؤسسة استثنائية و خاصة لذا يجب ان تنطبق بصفة ضيقة. و من هنا لا يمتد التخلي عن الحصانة القضائية  الى الهيئة القضائية عند غياب ارادة واضحة وغير مبهمة  للطرفين (116). و كشرط تعاقدي بسيط لا يمكن للاتفاقية  التحكيمية ان تنتج اثار اخرى غير الاثار التي أرادها الطرفين. و يمكننا ان نقلب  الحجة المقدمة  من طرف السيد بورك لان مبدا العدل و الانصاف يتعارضان مع كل تفسير غير مبين في الاتفاقية التحكيمية.  فالسير الحسن للعدالة يقتضي تفسير الارادة سواء عبرت الدولة على هذه الاراردة او عبر عليها الافراد . و لا يوجد اي مبرر يفضل الفرد بحجة ان الدولة اقوى منه.
اننا نعتقد ان المحكمة المطروح امامها النزاع المتعلق بالتحكيم تحوز قرينة هامة و هي اتفاقية التحكيم. هذه القرينة، اذا اقترنت بقرائن اخرى، يمكن ان تساهم في تكييف العقد المعني بانه عقد تجاري و تسمح بالتالي للمحكمة ان ترفض الدفع المتعلق  بالحصانة القضائية (117).
ويوجد راي اخر. تفترض الطبيعة التجارية للتحكيم تجارية العقد محل التحكيم. ويعتبر هذا العقد عقد تسيير لا يدخل في ميدان الحصانة القضائية (118).
و لما تكون منعزلة فلا معنى لاتفاقية التحكيم .
و مع ذلك ، لقد قلنا ان عقد الدولة يتضمن عدة عناصر تخضع للقلنون الخاص و اخرى تخضع للقانون العام . اما المنازعات المتولدة عنه فهي  منازعات حالة بحالة . وهنا ايضا وجب تفريد المنازعة. فالمحكمة، حسب راينا، ملزمة بدراسة حالة كل العناصر من اجل القبول او رفض الحصانة القضائية. فما هو الحال بالنسبة للحصانة التنفيذية ؟
الفرع 2: الدفع بالحصانة التنفيذية.
ان الحصانة التنفيذية هي العنصر الثاني الذي يحول دون السير الحسن للتحكيم. و يثار هذا الدفع عادة بعد اخفاق الدفع المتعلق بالحصانة القضائية  امام قاضي التنفيذ. وتطرح اذن مسالة معرفة ما اذا كانت الدولة الاجنبية محقة بالتمسك بحصانتها التنفيذية. الا يعتبرهذا الدفع سابقا عن اوانه ؟ و في هذه الحالة فهل هو مقبول؟ الا يوجد قاضي التنفيذ في دائرة الحصانة القضائية مادام انه ليس مكلفا بالتنفيذ فهو لا يقوم الا بتاييد الاتفاقية التحكيمية او بمنحها قوتها التنفيذية فهو لا ينفذها. فهذا اجراء اولي يتدخل قبل الاجراءات الاخرى المتعلقة بالتنفيذ. لقد ايدت محكمة الاستئناف بباريس في قرار اصدرته بتاريخ 28/06/1981 في قضية قابلت شركة بان فينوتي – بانفان Benvenuti- Bonfant   لحكومة  الكنجو قد ابدت هذا الموقف. فقد اعتبرت  المحكمة ان الامر بتنفيذ قرار تحكيمي لا يعتبر عقد تنفيذ acte d’éxécution    لكن فقط عقدا اوليا سابقا على اجراءات التنفيذ (119) .
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- (115)  M. Bourques : Le règlement de l’arbitrage multipartite dans l‘arbitrage Commercial international. Thèse de doctorat 1989, Poitiers, page 327,328.
(18) وتتميز مسالة الحصانة القضائية امام المحكمة الدولة بمناسبة التحكيم ان الدفع المتعلق بالحصانة القضائية لا يتصور ،حسب راينا الا بمناسبة الطلب المتعلق بالموضوع غير ان المسالة تطرح في عبارات اخرى عندما يتعلق الامر بمساعدة المحكمة في تعيين محكم عن الطرف المتخلف او اتخاذ اجراءات تحفضية ففي كلتا لانمس اصل الحق و بالتالي لا يمكن حسب راينا ، ان نستجيب لدفع الحصانة القضائية من اجل وضع حد لتماطل الاطراف .
(117) en sens Bourel : Arbitrage international et immunités des Etats étrangers. A propos d’une jurisprudence récente . Revue de l’arbitrage 1982, 2, page 128.
A. Mezghani, article précité, page 572.
(118) J.M.Sillevis Smitt : arbitration clause and sovereign immunity. Rapport au V congrés international de l’arbitrage de new delhi , 1975, 72, et 3 cité par Bourel et Mezghani.
(119) clunet 1981, page 843, note B Oppetit.

و هذا صحيح لان الامر بالتنفيذ يتدخل بعد الفصل في اختصاص القاضي. فاجراءات التنفيذ هي خصومة حول العقد و ليست خصومة بين الطرفين. و القاضي المكلف بالتنفيذ يمكنه ان يدرس القرار التحكيمي بطلب من الطرف الذي يهمه التعجيل بدون ان يكون هذا الاجراء اجراء وجاهيا. و اذا كانت الخصومة ليست اذن خصومة بين الاطراف فان صفة الدولة لا تهم، الشيء الذي يرفض الدفع. و من هذه الزاوية تحتل اجراءات التنفيذ مكانة بين فصل القاضي في المنازعة و تنفيذ حكمه. غير ان الاجابة على هذه الاسئلة تكمن في مسالة معرفة ما اذا كان القانون الجزائري يجعل من اجراءات التنفيذ إجراءات تصحح القرار التحكيمي او مجرد اجراءات من شانها  ان تمنحه القوة الملزمة. ففي الحالة الاولى،  تستهدف اجراءات التنفيذ اضفاء المشروعية على القرار التحكيمي  و صحته مرتبطة بها. و يوجد قاضي التنفيذ هنا في دائرة الحصانة القضائية و على العكس، لما تكون اجراءات التنفيذ مجرد اجراءات تمنح القوة الملزمة للقرار التحكيمي فانه من الصعب الكلام عن "الاجراءات السابقة عن التنفيذ " فالمساس بسيادة الدول خطير الى درجة ان "الاضطراب" الذي يتولد عنه هو من دون شك هام لانه لا يلزم الدولة الاجنبية على تنفيذ قرار صادر ضدها (120).
بالفعل، انه من الصعب جدا القول في كل الحالات ان مسالة التنفيذ تدخل في دائرة الحصانة القضائية ما دام القاضي المخول له السلطة القضائية قد فصل في الموضوع.
وتمنح المادة .... من قانون الاجراءات المدنية لرئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصه القرار التحكيمي الاختصاص للفصل في الامر بتنفيذ القرار التحكيمي. و في هذه الحالة يجوز للدولة الاجنبية ان تتمسك بحصانتها التنفيذية .
لكننا نعتقد ان الدولة لا يمكنها حسب اهوائها الاحتجاج بحصانتها. فالتصرفات التي ابرمتها ليست مغطاة كلها بالحصانة .غير ان هذا الموقف لا يمكن ان نؤكده او نرفضه في القانون او في القضاء الجزائريين.
ولقد اكد احد المؤلفين الجزائريين ان مبدأ الحصانة الضيقة مقبولا في الجزائر (121). و يرتكز هذا التاكيد على ما يبدو على ثلاثة حجج  .
ممارسة تعاقدية مطردة تتضمن شروطا تحكيمية تحيل الى الغرفة التجارية الدولية و تستهدف عدم التمسك بالحصانة التنفيذية، قانون 30/06/1984 المتعلق بالاملاك الوطنية، و اخيرا المادة 7.17  من النظام الجزائري الفرنسي المؤرخ في 27/03/1983 التي تقضي ان القرار نهائي و ان "تلزم الاطراف على تنفيذ القرار في الوقت المحدد ... وان تتخلى عن كل طعن ".
ان هذا التاكيد مهما كان مغريا يبدو لنا محل نظر بالمقارنة مع الحجج المقدمة .
اولا لا شيء يسمح بالاستنتاج من الممارسة التعاقدية الجزائرية تثبيت مبدا الحصانة  الضيقة (النسبية) و اذا لم يتمسك المتعاملون الجزائريون بالحصانة التنفيذية، فهذا لا يعني انه يستحيل عليهم التمسك بهذا لكون العقود لا تدخل في دائرة الحصانة الضيقة لكن تخلوا عنها لاسباب اخلاقية، مصلحية او خوفا من الاجراءات الزجرية .
ثانيا قبول  الطرف للاجراءات التحكيمية بمعنى التزامه "بالتخلي عن كل طعن" لا يفهم أنه تخلى عن التمسك  بالحصانة التنفيذية (122). ان التخلي عن الحصانة التنفيذية تصرف هام و ذو خطورة استثنائية يتطلب ان يتم بصفة واضحة غير مبهمة تعكس ارادة



-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------(120) B. Bourel : Aspects récents de l’immunité d’exécution des Etats et services publics étrangers, in travaux de comité francais du droit international privé. Année 1983 – 1984 , page 133 et en particulier page 138.
قرار المحكمة العليا عرفة اجتماعية
(121) A. Mebroukine : thèse précitée, page 456.
 (122) و هذا التفسير مقبول ايضا بالنسبة للقرارات التحكيمية الصادرة عن CIRDI   بغض النظر عن وضوح نص المادة 54 من اتفاقية واشنطن التي تقضي ان القرار   CIRDI ينفذ على كل الدول المتعاقدة مثله مثل الحكم النهائي الصادر عن الهيئات القضائية لهذه الدول . ولقد طبقت المحاكم الامريكية لاسيما الهيئات القضائية الفيديرالية للقطاع الجنوبي لنيويورك بتاريخ 12/12/1986 وقطاع كولمبيا بتاريخ 16/04/1987 طبقا المبدا الذي يقضي بان وجود شرط تحكيمي او شرط تحكيمي يحيل الى CIRDI لا يحول دون التمسك الدولة بحقها في الحصانة التنفيذية Observations de E. GAILLARD, à propos de la sentence Lecto, clunet 1988, OPECIT P 165 et surtout page 179.
اكيدة للدولة في هذا التخلي. لكن يمكن ان يكون هذا التخلي ضمنيا لكن حتى في هذه الحالة وجب الا يكون مبهما (123).
لقد ثبت هذا المبدأ بقضاء مطرد 124) ولم يثر شكوك الفقه (125).
واخيرا فان قانون املاك الدولة لا يتطرق الى مسالة  الحصانة التنفيذية. فهو يميز بين مختلف الاموال العامة الاقتصادية و المستخصة ... و يميز في النهاية بين الاصول الخاصة بالمؤسسة و الراسمال المملوك للدولة و يخضع الاول للقواعد العامة. و يمكن ان يقع محل طرق التنفيذ أي محل التنفيذ الجبري.
لكن تطبيق التمييز المذكور محرج من الناحية العملية، لانه وجب على المؤسسة العامة الجزائرية ان تكون مربحة حتى تستطيع تخصيص ذمتها المالية من اجل الوفاء بالتزامتها. لكن ليس الحال كذلك، مع الاسف، بالنسبة لاغلبية المؤسسات الجزائرية و اذا كان يمكن ان نتصور مبداء الحصانة الضيقة بالنسبة للهيئات العامة، فانه من الصعب تجسيده بالنسبة للدولة نفسها، فضلا انه غير دقيق فما هي الاموال  القابلة للحجز و الاموال التي لا تقبل الحجز ؟
منذ 1971، حاول القضاء الفرنسي استخراج معايير من اجل ابعاد الحصانة التنفيذية المطلقة مستندا على اصل و طبيعة الاموال التجاريين في مقابل الاموال المخصصة لخدمة مرافق الدولة. لكن توجد صعوبة اخرى على من يقع عبء اثبات اصل الاموال وتخصيصها ؟ على المدعي ؟ على المدعي عليه ؟ هل وجب وضع قرينة مفادها ان المال هو مال عام الى غاية اثبات العكس ؟ ان الحلول المستخرجة من القضاء الفرنسي متناقصة وغير مؤكدة  (126).
وفي ميدان الحصانة التنفيذية انه لمن الضروري كما نعتقد، الرجوع للقانون الداخلي للدولة الطرف في النزاع من  اجل الفصل، بدون تحكم، في مسالة الاموال التي تقبل  الاجراءات التنفيذية انه لمن الضروري وعدم الاكتفاء بالتكييف انطلاقا من قانون القاضي  lege fori . و لقد خشي سوء نية الدولة بحجة انه يكفي ان تكون مالكة شكليا للاموال المهددة بالتنفيذ للتخلص من صرامة قرار اكتسب قوة الشيء المقضي "(127) .

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------(123) ان حالات التخلي الضمني عن الحصانة التنفيذية نادرة جدا، لكن يمكن ان نجد بعض التطبيقات العملية - اتفاقات الجزائر المؤرخ في 19/01/1981 التي انشأت محكمة الفصل في الخلافات الايرانية الامريكية هي احسن مثال. تم إنشاء صندوق ضمان انطلاقا من الاموال الايرانية المجمدة للسماح بتنفيذ القرارات التحكيمية. و يعتبر انشاء هذا الصندووق مثالا واضحا عن التخلي الصريح عن الحصانة القضائية .
وتطرح اذن مسألة معرفة مامدى حجية المعاهدة الايرانية الامريكية للدول الاخرى. لكن هذه المسالة مسألة اخرى .
Le tribunal des différends irano –américains. Cahier du CEDIN, 1è journeé d’actualité internationale 19/04/1984,  Imprimerie Intégrée de l’Université de Paris.
   (124) Cas Civ le 02/03/1965, Faure et autres C/ Etat italien.
2e cass civ le 02/03/1965 societe transhpping c/etat pakistanais .jcp 1966 II14831 note marce ancel .
Plus récemment, Cour d’apel de Paris, Ch. A 21/04/1982. République islamique d’ Iran et OIAETI et OEAI C/ Société Eurodif et Sofidif et Commissariat de l’ énergie, Clunet 1983,145 note B.Oppettit. Dans
le même sens la même affaire cass. civ 14/03/1984 RCDIP, 1984, page 645 note Y. Bishoff.
(125)P. Bourel, Revue de l’arbitrage, page 124.
P . Fouchard, op.cit, Arbitrage Commercial, page 91, n°162.
(126) حسب قرار كلارجي clerget  ضد جمهورية فيتنام الشمال الديمقراطية، نقض مدني 02/11/1971، المجلة النقدية للقانون الدولي الخاص، 1972، 310، تعليق بوريل، الاسبوع  القانوني ،1972 ،II، 16969، تعليق روبيه، تعتبر الا موال عمومية الا ذا اثبت الدائن عكس ذلك.
اما قرار انجلندارenglender   الصادر عن الغرفة الاولى لمحكمة النقض بتاريخ 11/02/1969 ضد بنك الدولة الشيكوسلوفاكية فقد غيرت عبء الاثبات، كلوني، 1969، 923، تعليق ف. خان، المجلة النقدية للقانون الدولى الخاص، 1970، 98  تعليق بوريل.
 (127) Le boulanger, Contrat  d’Etat,  opécit,  page 309.

اننا لانشاطر هذا الخوف فلا يكفي حسب راينا ان تكون الدولة مالكة " شكليا " لتكون مالكة حقيقية اذا كانت كل القرائن: الممارسة العقدية،  النشاط محل النزاع، الكيفية التي تنظم بمقتضاها المرافق العامة تؤكد بان الدولة ليست مالكة .
زيادة على ذلك، انه لمن الاسراف مساءلة قانون القاضي  lex fori  حول ما اذا كانت الاموال المملوكة للدولة الاجنبية ذات اصل خاص او عام.  فعلى القانون الداخلي الاجابة على هذه الاسئلة .
اخيرا، لا تميز اتفاقية نيويورك بين مختلف الاشخاص، فهي تنطبق على الدولة وعلى هيئاتها كما تنطبق على المؤسسات الخاصة. و هذه حجة اخرى، حسب راينا، تسمح لنا أن نؤكد ان مبدا  الحصانة الضيقة مكتسب في القانون الجزائري )128).
الفصل الثالث : وحدانية طرق الطعن في أحكام التحكيم
بعد أن يتأكد رئيس المحكمة المختص بالأمر بالتنفيذ من أن حكم التحكيم قد توافرت فيه الشروط اللازمة لصحته، فإنه يقرر شموله بأمر التنفيذ ويضع عليه الصيغة التنفيذية بذيل أصل الحكم أو بهامشه (129) ويعتبر ذلك الإجراء أمر صادر إلى السلطات المختلفة بالقيام بالتنفيذ الجبري ولو اقتضى الأمر باستعمال القوة الجبرية (130) ، وعليه يصبح حكم التحكيم شأنه شأن الأحكام الوطنية من ناحية التنفيذ .
أما إذا لم تتوفر تلك الشروط فما على القاضي سوى رفض إصدار قرار التنفيذ.
وفي كلتا الحالتين ،يحق لمن صدر القرار ضده الطعن فيه بالاستئناف أمام المجلس الذي يتبعه القاضي (131) ، هذا بالنسبة للأحكام الصادرة في الخارج ، أما الطعن بالبطلان ،فلا يجوز إلا ضد أحكام التحكيم الصادرة في الجزائر وبالتالي لا يقبل الطعن بالإستئناف في القرار الصادر الذي يسمح بتنفيذها (132).
والتمييز بين طرق الطعن في أحكام التحكيم على أساس اختلاف مكان صدورها يستخلص،بمفهوم المخالفة ،من المادة 458 مكرر25 من قانون الإجراءات المدنية التي تؤكد وحدانية طرق الطعن  والتي سطرها المشرع تحقيقا لفعالية التحكيم التجاري الدولي بالتوافق بين فكرة الحجية التي تقضي احترام عمل هيئة التحكيم و بين مصلحة الخصم بمراقبة الحكم الصادر ضده على النحو الذي نظمه القانون ،وفي نفس الوقت ،مراعاة مصلحة الخصم الذي صدر الحكم لصالحه بمراقبة عمل الجهات القضائية المخول لها قانونا و الأمر بالتنفيذ في حالة امتناعها عن القيام به (133).
لكل هذه الأسباب تم وضع قواعد خاصة للطعن في حكم التحكيم تأخذ بعين الاعتبار مصدره من جهة ومن جهة أخرى حددت قواعد مشتركة لكل الأحكام الصادرة في مادة التحكيم التجاري الدولي . دون تميز بين مصدرها سواء كان ذلك في الخارج أم في الجزائر.
وعليه لا يجيز القانون الطعن العادي في أحكام التحكيم بل اكتفى بوضع نظام لرقابة شروط معينة ومحدودة تخصها ،ولعل تباين طرق الطعن حسب تباين مكان صدورها هو بمثابة تسهيل وتوحيد للجهات المختصة بالنظر فيها وتمييز لموضوع الطعن  الذي يختلف حسبما إذا كان أمام حكم تحكيم صادر في الخارج أو في الجزائر (134).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ128) وعند تحليله لاتفاقية نيويورك يرى الاستاذ لاليف "ضمان تنفيذ القرارات التحكيمية" في CCI  60 سنة  من بعد، المرجع السابق، صفحة 362، يرى ان اتفاقية نيويورك تنطبق على الحصانة التنفيذية استنادا على مادتها الاولى فقرة 1 التي تميز بين اشخاص القانون العام واشخاص القانون الخاص .
31- أنظر المادة 458 مكرر20
من قانون الإجراءات المدنية .
32 - أنظر المادتين 320و 324 من قانون الإجراءات المدنية .
33- أنظر المادتين 458 مكرر 24 من قانون الإجراءات المدنية .
34- أنظر المادة 458 مكرر 25 من قانون الإجراءات المدنية .
35- Gavalda- Deleyssa . Opcit .page 90.
(j) Robert- (B) Moreau . Opcit .page 11 .parag ,113 .
134- (P)Fouchard .Opcit404.
أنظر
ولدراسة جل هذه القواعد يقتضي الأمر تقسيم الفصل على النحو التالي :

في المبحث الأول نتعرض إلى الطعون الخاصة بكل من أحكام التحكيم الصادرة في الخارج والأحكام الصادرة في الجزائر ،أما في المبحث الثاني فنتطرق للطعون المشتركة فيها.

المبحث الأول: طرق الطعن الخاصة :
تتجلى أهمية التفرقة بين طرق الطعن في أحكام التحكيم التي تصدر في الخارج وبين تلك التي تصدر في الجزائر في اختلاف مراحلها والسبب منها .
فمن حيث المحل ،فالطعن بالاستئناف يكون دائما ضد القرار الذي يسمح بتنفيذ الحكم دون الحكم ذاته (37).

أما من حيث السبب ، فالطعن بالاستئناف يرمي إلى إهدار القرار الذي يسمح بتنفيذ الحكم ،أما دعوى البطلان فهي ترمي إلى إهدار حكم التحكيم نفسه (38).

ورغم هذا التباين الواضح في طرق الطعن إلا أن المشرع عمل على تكريس مبدأ وحدانيتها يسمح للطاعن الوصول إلى نفس الغاية مهما كان السبيل المتاح إليه وهي عدم تنفيذ الحكم الصادر ضده على أساس وجود أسباب حددها القانون على سبيل الحصر ،وبمعنى آخر ،أنه في حالة الطعن بالاستئناف في القرار الذي يأمر بالتنفيذ فإن هذا الطريق يعد الطريق الوحيد للطعن في حكم التحكيم وترتيبا على ذلك تثار كل الأسباب التي تتيح رفع دعوى البطلان أمام الجهة القضائية المختصة التي تنظر الاستئناف ،وارتباطا بذلك تنص المادة 458 مكرر25 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي : "يمكن أن تكون القرارات التحكيمية الصادرة بالجزائر في مجال التحكيم الدولي موضوع طعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في المادة 458 مكرر 23 ".

لا يكون الأمر الذي يسمح بتنفيذ هذا القرار التحكيمي قابلا لأي طعن ، غير أن الطعن بالبطلان يترتب عليه ،بقوة القانون ،وفي حدود تسليم المجلس الدعوى ،الطعن في الأمر الصادر من قاضي التنفيذ ،أو سحب الدعوى من هذا القاضي .























----ـ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------(37) terki- L’arbitrage commercial –Opcit .132
            (P) Fouchard – Opcit .p. 408
 38- يقصد بدعوى البطلان إنكار هيئة التحكيم فيما فصلت لإغفال قواعد إجرائية جوهرية لا يجوز إغفالها
أنظر :د / احمد أبو الوفا  - التحكيم الاختياري ....- المرجع السابق – ص 323.
(J)Robert – Opcit . p.294
وعلى هذا سوف نقسم المبحث إلى03 مطالب على النحو الموالي :

المطلب الأول : الطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في الخارج .

المطلب الثاني : الطعن بالبطلان في أحكام التحكيم الصادرة في الجزائر.

المطلب الثالث : أسباب الطعن و إجراءاته الموحدة .

المطلب الأول :الطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في الخارج .
سبق وأن ذكر بأن معظم النظم القانونية تمارس رقابة قضائية على أحكام التحكيم عند المطالبة بالأمر بتنفيذها،و لاحظنا أن هذه الرقابة غير شديدة بل تمارس في تدقيق شروط معينة ومحدودة بالنسبة لأحكام التحكيم الدولي كما هو ظاهر في نصوص القانون الجديد الجزائري (م 458 مكرر 17 من قانون الإجراءات المدنية) أما الطعن في الاحكام الصادرة في الخارج يمكن الطعن بالاستئناف في قرار الجهة القضائية المختصة الذي يسمح بتنفيذها و في هذه الحالة إذا تحقق القاضي من توافر سبب من أسباب الطعن فعندئذ يلغى القرار محل الطعن ويرفض بالتالي الاعتراف وتنفيذ الحكم.

ولقد وردت أساب الطعن على سبيل الحصر حتى لا يتمكن الطرف الخاسر في التحكيم من استعمال إجراءات الطعن أمام المحاكم الوطنية بقصد المماطلة وكسب الوقت خاصة وأن إجراءات المحاكم تستغرق وقتا طويلا ونفقات إذا أضيفت إلى نفقات التحكيم تعتبر باهضة وهو الأمر الذي يتعارض تماما مع طبيعة التحكيم الذي يمتاز بالسرعة و التنفيذ الطوعي.

ولما كانت هذه الأسباب من النظام العام الدولي ،فلا يحق للأطراف التنازل عن الطعن ،و كل اتفاق على ما يخالف ذلك بعد باطلا (39).
وقبل التطرق إلى حالات الطعن الواردة على سبيل الحصر ،نتولى في هذا المطلب .تحديد خصوصية الطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بالتنفيذ (الفرع الأول ) ،ثم نتطرق إلى الجهة القضائية المعنية به (الفرع الثاني) .

الفرع الأول :خصوصية الطعن بالاستئناف في قرارالقاضي الأمر بالتنفيذ
الأصل في الطعن بالاستئناف كريق من الطعن العادية انه يجوز للمحكوم ضده إتباعه مهما كان السبب ،فله ان يطعن في الحكم لعيب في الإجراءات التي بني او لعيب في الحكم ذاته كخطأ القاضي في تقدير الوقائع أو استخلاص النتائج منها تطبيق القانون ،ونتيجة لذلك لا يلزم الطاعن بإقامة الدليل على حقه في الطعن (40) .

كما أن الأصل في الاستئناف هو تجديد النزاع وإعادة الفصل فيه (41) فيتنا و لا مجلس القضائي (محكمة الدرجة الثانية ) الموضوع للنظر فيه من جديد دون أن يحق للخصوم طرح طلبات موضوعية جديدة (42).
كما أن الأصل أن يكون المطعون ضده أطراف في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه (43).

وعليه تبعا لقواعد الطعن بالاستئناف بوجه عام ،تتضح لنا خصوصية الطعن بالاستئناف في القرار الأمر بالتنفيذ و تتجلى في النقاط التالية :








ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) (J) Robert –opecit .page 395.  
  40- د/ أبو الوفا – المرافعات المدنية و التجاري – المرجع السابق ص 858.
41- بوبشير محند أمقران  المرجع السابق –ص 316
42 تنص المادة 107/1 من قانون الإجراءات المدنية على مايلي : لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف من لم تكن خاصة بمقاصه او كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية .
وانظر في الموضوع :د/ احمد أبو الوفا – المرافعات المدنية ... – المرجع السابق – ص 894.
43- د-/ محمد  احمد عابدين –خصومة الاستئناف – منشأة و المعارف بلاسكندرية – مصر 1987.ص 9
أ) ان القرار الذي يسمح الاعتراف او التنفيذ أحكام التحكيم يقبل الطعن بالاستئناف في حالات محددة قانونا دون سواها
و الا يجوز للقاضي الحكم بعدم قبول الدعوى لتعلقه بالنظام العام (44)،وهو  الأمر الذي جاءت به المادة 458 مكرر 23 من قانون الإجراءات المدنية بصريح النص : "لا يجوز استئناف القرار الذي يسمح أو التنفيذ إلا في الحالات التالية :..... "

ب) لا ينطوي الطعن بالاستئناف في القرار على تعديله او إصلاحه لأنه ليس حكم في موضوع النزاع (45)

ج) وان كان المستأنف عليه  هو الخصم الذي تقدم بطلبه تنفيذ حكم التحكيم الصادر لصالحه فان الطاعن لم يكن طرفا في الإجراء الذي تم بموجبه وضع الصيغة التنفيذية .

د) صدر قرار بالأمر بالتنفيذ على أساس طلب تنفيذ الحكم التحكيم ،أما الطاعن فيه فيتقدم بطلب إلغاء الأمر نفسه وهو طاب لم يسبق تقديمه أمام محكمة الدرجة الأولى .

و من هنا تتأكد الطبيعة المزدوجة لقرار الأمر بالتنفيذ التي تجعل الطعن بالاستئناف فيه يتسم بخصوصية تجعله لا ينطبق تمام مع القواعد العامة دون أن يخالفها إذا يبقى دائما ،وحسب الأصل،تظلم في حكم محكمة الدرجة الأولى أمام محكمة الدرجة الثانية (46).

ولعل تفسير الخصوصية يعود إلى إرادة المشرع في تعزيز مركز أحكام التحكيم الصادرة من قبل هيئة التحكيمية استمدت اختصاصها من اتفاق الأطراف و بالتالي لا يجوز إتاحة فرصة إعادة طرح النزاع من جديد أمام المحاكم الوطنية التي فضلوا استبعاد اختصاصها لفائدة الهيئة منذ البداية ،كما أن الطعن بالاستئناف في الأمر الذي يسمح بالتنفيذ الأخير الذي لمثل هذا الطعن هو مبدأ يقوم على أساس أن الإحكام الصادرة في الخارج لا تؤثر في النظام القانوني الوطني مادام صاحبها لم يتمسك بها في بلد القاضي الذي لا يستطيع التدخل في شانها و لا مراقبتها (47) أكثر من ذلك فان محكمة الاستئناف عند تعرضها للطعن في القرار الذي يأمر بتنفيذه ،تكتفي عند تأكدها من وجود حالة من الحالات المنصوص عليها بإلغاء قرار القاضي دون المساس بالحكم الذي يفقد قوته التنفيذية دون ان يفقد حجيته إذ تستمر له هذه الحجية و لا تزول عنه إلا في حالة صدور حكم ببطلانه (48) ،وبذلك فحكم التحكيم الغير الصادر بالجزائر لا يمكن بطلانه بل يكفي للقاضي ان يعارض على إحداثه لأي اثر قانوني في الجزائر (49).

إضافة إلى كل هذا فان بعض من الفقهاء يرون أن الطعن بالاستئناف في قرار الأمر بالتنفيذ هو استثناء للمبدأ العام الذي لا يجيز الطعن المباشر في أحكام التحكيم،فالأصل لديهم أن الاتفاق على التحكيم مهما كان نوعه يجد أساسه في الثقة في حسن تقدير المحكم وعدالته أن يجيز المشرع التحكيم ثم يجيز المشرع الطعن بالاستئناف في حكمه أمام المحاكم الوطنية وإجراءاته يبد أن المحكمة من اللجوء إلى التحكيم هو أصلا تفادي السير في هذه الإجراءات واختصارها (50).

ولكل هذه الأسباب وحينما يحكم  المجلس القضائي بتأييد القرار او بإلغائه يكون قراره حكما قضائيا يجوز الطعن فيه بالنقض (المادة 458 مكرر 28 من قانون الإجراءات المدنية ) على عكس حكم التحكيم الذي لا يقبل اي طعن بالنقض (51).

الفرع الثاني :الجهة المختصة بالنظر في الطعن بالاستئناف
يتم الطعن بالاستئناف في قرار القاضي الذي يأمر و يسمح بالتنفيذ وفقا للقواعد العامة المعمول بها في قانون الإجراءات المدنية وذلك بتقديم عريضة من المستأنف أو محاميه تودع لدى كاتبة الضبط للمجلس القضائي الذي يتبعه القاضي الذي صدر منه القرار(52)،اي مجلس القضائي الذي تكون في دائرة اختصاصه محكمة محل التنفيذ حسب المادة 458 مكرر 17/02 من قانون الإجراءات المدنية التي تحيلنا إليها المادة  458 مكرر 22 و 458 مكرر 23 ،أمام المجلس القضائي الذي يتبع القاضي الذي فصل في النزاع .

ويمكن تأسيسه ابتداء من تبليغ قرار القضائي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
44- انظر   (J) Robert – (B) Moreau – Opecit page 12 parag 139. (J)  
46- د- احمد ابو الوفا – المرافعات المدنية و التجارية ...... – المرجع السابق – 801
(47) (P) fouchard : opcit 408 et suivants.
48- د/ أمال احمد الفريزاي – دور القضاء الدولة ... - المرجع السابق – ص 115.
49 انظر: (N) Terki – l’arbitrage international  opecit page 132                                                     
(J) Robert – Opecit – page 295.
50- د/ احمد أبو الوفا – إجراءات التنفيذ- المرجع السابق ص 117 .
51- انظر (N) Terki l’arbitrage ….. opcit page 142
52- انظر المادة 110 من قانون الإجراءات المدنية الجزائرية .
 
و تجدر الإشارة إلى الخطأ الذي ورد في المادة أعلاه حيث استعمل المشرع الجملة "أمام المجلس الذي يتبعه القاضي الذي فصل في النزاع " ، بينما النص باللغة الفرنسية يقول "le juge qui a statué  " و الذي يعني باللغة العربية " القاضي الذي قرر أو أمر" ولعل هذه الجملة هي الأصح لان القاضي بمفهوم نفس المادة لا يفصل في النزاع بل يأمر بالتنفيذ.(53)

و يجب ان تشمل العريضة على بيان القرار المطعون فيه وتاريخه وأسباب الاستئناف و الطلبات و الا كانت باطلة (54).

تودع العريضة سواء في كتابة ضبط للمجلس القضائي الذي يتبعه القاضي الأمر بالتنفيذ( المادة 110من قانون الإجراءات المدنية ) ام في كتابة الضبط المحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيه بالاستئناف (المادة 114 من القانون الإجراءات المدنية ) مع إلزام كاتب الضبط على إحالة الملف الدعوى إلى كاتبة البط المجلس القضائي المختص خلال مهلة شهر واحد ( المادة 115 من قانون الإجراءات المدنية ).

في كلتا الحالتين يعمل بنص المادة 5 من نفس القانون التي تحدد الاختصاص النوعي للمجالس القضائية و التالي اختصاص النظر في الطعن في قرار الأمر بالتنفيذ للغرفة التنفيذية التجارية ما دام المشرع لم يحدد غرفة أخرى بصريح النص في القانون المنظم للتحكيم التجاري الدولي (55).

المطلب الثاني :الطعن بالبطلان في أحكام التحكيم الصادرة في الجزائر .
لما كان نظام التحكيم الدولي يقوم على مبدأ الاستغناء عن اللجوء إلى القضاء لفض المنازعات التجارية الدولية فانه لا يجيز مراجعة موضوع الحكم ذاته أو التحقق من قيام هيئة التحكيم بتطبيق القانون وذلك لان نظام المراجعة لا يتماشى مع مقتضيات التجارة الدولية التي تحاول دائما التحرر من تطبيق القوانين الوطنية الجامدة  التي يغالب مالا تستوعب مستلزماتها(56).

وتأسيسا على هذا المبدأ لا يمكن الطعن في حكم التحكيم الصادر في الجزائر بطرق الطعن العادية إلا أن المشرع أجاز الطعن فيها بالبطلان وذلك حرصا على مصالح الأطراف التي قد يمسها ضرر إذا ما تم تنفيذ الحكم .

فمن المسلم بان هان المشرع عند وضعه لقواعد الإجراءات ،أراد إقامة حدود معينة للقاضي للممارسة لوظيفة على أحسن وجه ضمانا لحقوق المقاضين وإذا خالف إحدى هذه الإجراءات أصبح الحكم الصادر منه مشوبا  بعيب في الإجراءات فيصبح باطلا (57) ،ولما كان المحكم قاض خوله القانون مهمة الفصل في النزاع المطروح أمامه اوجب عليه في ذات الوقت احترام قانون الإجراءات المطبق على عملية التحكيم كالقاضي الوطني (58).
وعملا بالقاعدة العامة في القانون الجزائري " البطلان لا يكون إلا بنص "(59) ، يرفع بالبطلان بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوي وعلى الطاعن أن يثبت وجود مخالفة مما نص عليه القانون الجديد صراحة في المادة 458 مكرر 23 و التي احل تاليها المادة 458 مكرر 25 من قانون الإجراءات المدنية دون اشتراط وجود الضرر ،حيث أن القضاء ولو انه لا يقضي بالبطلان بدون نص قانوني إلا انه اعتمد معيار الضرر لاستبعاد إبطال بعض الأحكام ولو شابها عيب في الشكل إذا تعود السلطة التقديرية للقاضي بحسب ظروف الدعوى و أهمية المخالفة و أثارها على حسن سير القضاء (60)،غير أن القيام الدليل على توافر إحدى حالات المنصوص عليها لطلب بطلان حكم التحكيم يعد قبيل المساس بالشروط  الجوهرية اللازمة لصحة إجراءات التحكيم وبالتالي لا يبقى للقاضي أية سلطة تقديرية للبحث عن مدى تأثيرها على صحة الحكم المطعون فيه ويجب عليه الحكم ببطلانه (61) .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
53- نلاحظ ان نص المادة 458 مكرر 24 بالغة الفرنسية مطابق للنص الذي جاء به المشرع الفرنسي في القانون المنظم للتحكيم الدولي في المادة 1503 التي تنص على :
« L’appel prévu aux articles 1501et 1502 est porté devant la cour d’appel dont reléve compter de la signification de la décision du juge ».
54- د/ احمد أبو الوفا – المرافعات المدنية و التجارية – المرجع السابق 879.
وانظر المادة 110 من قانون الإجراءات المدنية .
55- تنص المادة 5 من قانون الإجراءات المدنية على مايلي : تختص المجالس القضائية بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد الأولى حتى ولو وجد خطا في وصفها .
وانظر بوبشير محند أمقران – التنظيم القضائي الجزائري – ديوان المطبوعات الجامعية ،1994 ص 216.
56- د/ منير عبد المجيد – المرجع السابق – ص 63 وما بعدها
57- د/ نبيل إسماعيل – المرجع السابق – ص 193.
58- د/ صالح بن عبد الله العوفي ،المرجع السابق ص 425.
59- د/ احمد ابوالوفا – المرافعات المدنية التجارية .... المرجع السابق – ص 492.
60- د/ بوبشير محند امقران – المرجع السابق – ص 182،ص 185 .
61- د/انظر المادة الخامسة فقرة اولى من اتفاقية نيويورك .
وهكذا يبح حكم التحكيم موضوع النزاع عن طريق دعوى أصلية يطلب بموجبها المحكوم ضده إبطاله دون انتظار صدور امر بتنفيذه عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للإحكام الصادرة في الخارج التي لا يمكن الطعن فيها مباشرة بل يجب انتظار استصدار امر بتنفيذها و الطعن فيه.

ويتجلى على  التمييز بين الطعنين في احترام القواعد التي جاءت بها اتفاقية نيويورك التي تسمح برفض الاعتراف و تنفيذ أحكام التحكيم إذا تم إلغاؤه في البلد الذي صدرت على إقليمه حتى يكون هناك توزيع للاختصاص القضائي بين الدول فيما يتعلق بالطعون الموجهة ضد الأحكام التي تصدر لحل نزاعات التجارة الدولية في مجال التحكيم الدولي (62).

فيجوز للقاضي الجزائري إلغاء حكم التحكيم الصادر على التراب الوطني ويمنع عليه ذلك عندما يكون أمام حكم صادر في الخارج ،و على الدول الأخرى المنظمة إلى الاتفاقية ان ترفض الاعتراف و تنفيذ نفس الحكم الصادر بالجزائر إذا تحقق قضاؤها من انه لا يمكن إدخاله في نظامها القانوني لا خلاله بأحد الشروط المطلوبة لصحته دون أن يحق إلغاؤه ،و العكس صحيح إذا أن الطعن بالاستئناف في القرار الذي يأمر بتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في الخارج لا يمس بوجودها من عدمه في حالة الحكم بإلغاء القرار موضوع الطعن من طرف المجلس القضائي (63).

         إضافة إلى هذا فالتنسيق الدولي استحدثته اتفاقية نيويورك يعمل مصالح الأطراف المتنازعة :

بالنسبة للمحكوم له ،فانه لا يخشى تعدد وتفرع طرق الطعن في الحكم و المتاحة لخصمه لطلب إلغائه في بلد تشريعه قيودا صارمة لصحة حكم التحكيم وبعدها يحتج بقرار البطلان في دولة أخرى طلب تنفيذ الحكم على إقليمها .

      أما بالنسبة للمحكوم ضده ،فتتاح له فرصة التظلم من الحكم بطلب بطلانه في البلد الذي صدر على إقليمه في حالات محددة حصرا دون الانتظار صدور أمر بتنفيذه بطعن غير مباشر في القرار الذي يسمح إذا ما طلب التنفيذ على إقليمها (64).

الى جانب كل هذا فنظام البطلان المخصص لأحكام التحكيم الدولية يختلف عن ما هو عليه نظام بطلان أحكام التحكيم الداخلية ،إذا يجوز للمجلس القضائي المختص بالطعن إعادة النظر في موضوع النزاع في أحكام التحكيم الداخلية عكس ما هو عليه الآمر بالنسبة لأحكام التحكيم الأجنبية الصادرة بالجزائر التي لا تقبل اي تعديل او تصحيح يكتفي القاضي إلغائها اذ ما توافرت حالة من حالات البطلان المنصوص عليها احتراما لمبدأ حرية الأطراف في عرض النزاع .على التحكيم الدولي و المكرس في اتفاقية التحكيم (65).

كما يجوز إبطال جزء من الحكم و الإبقاء على الجزء الصحيح إلا إذ كان الحكم غير قابل للتجزئة (66).
و في كل الأحوال ،يكون الحكم الصادر في دعوى البطلان خاضعا لقواعد العامة من حيث جواز الطعن بالنقض (67).










ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
62- د/ تنص المادة فقرة 1 (ه) من اتفاقية نيويورك .
63- انظر (J) Robert – (B) Moreau – Opcit . p13 parag , 166 et p14, parag168                               (P) Fouchard – opcit p  411 et 412.
(64)R)David- l’arbitrage dans le commerce …. Opcit page 556
(65) انظر(P) Fouchard – opcit p 412 et s.                                                                                             
 (J) Robert – (B) Moreau – opcit p13 parag 167.
(C) Gavalda – (C) Deleyssac – opcit p 90.
(J) Robert – Opcit .p 199 .
66- د/ احمد أبو الوفا – إجراءات التنفيذ ..... – المرجع السابق – ص 120.
وانظر المادة 458 مكرر 28 من قانون الإجراءات المدنية .
المطلب الثالث :اسباب الطعن واجراءاته  الموحدة
كرس المشرع الجزائري مبدأ وحدانية الطعون  المتعلقة بأحكام  التحكيم دون التمييز بين مصادرها أو بما جاءت به اتفاقية نيويورك ،وتتجلى هذه الوحدانية في وضع حالات محددة سواء للطعن بالاستئناف في الأمر الذي يسمح بتنفيذ حكم التحكيم الصادر بالخارج او للطعن بالبطلان في حكم التحكيم الصادر بالجزائر ،كما وضع لهاذين الطعنين إجراءات إجراءات مماثلة لرفعها بتوحيد الجهة القضائية المختصة بهما وكذلك بالنسبة للمواعيد المقررة لهما .

الفرع الأول :أسبــــــاب الطــــــــــــــعن

      ان الطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بالتنفيذ و الطعن بالبطلان في حكم التحكيم محصوران في حالات حددها القانون الجديد (المادة 458 مكرر 23 من قانون الإجراءات المدنية ، و بالتالي على الطاعن التقيد بها مهما كان المطبق كان  القانون المطبق على إجراءات التحكيم أو على موضوع النزاع (68).

     وان كان الطعن بالبطلان حسب القرار هو الطعن موجه مباشرة  ضد حكم التحكيم فان الطعن بالاستئناف يكون ضد قرار قاضي الأمر بتنفيذ وليس ضد الحكم الذي لا يقبل الطعن المباشر ،رغم ذلك فأسباب الطعن تنصب بطريق غير المباشر على حكم  التحكيم بذاته مما يسمح من مراقبته من جديد للتحقيق من عدم وجود سبب من أسباب رفض تنفيذه وهذا يعد بمثابة تظلم في القرار القاضي (69).

     ولقد ألقت اتفاقية نيويورك عبء إثبات وجود أسباب الطعن على عاتق المحكوم ضده بالتمسك بقيام إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة الخامسة منها (الفقرة الأولى ) مثلما ألقت عبء إثبات البعض الأخر منها على عاتق قاضي التنفيذ الذي يجب عليها كما رايناه من تلقاء نفسه ان يرفض الاعتراف وتنفيذ الحكم إذا كان قانون بلده لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم او كان الاعتراف بالحكم و تنفيذه يمسان بالناظم العام في بلده (الفقرة الثانية ).
  
        وهو المنهاج الذي اعتمد المشرع الجزائري عند نصه على ثمانية (08) حالات يمكن التمسك بها لطلب إلغاء قرار القاضي او لطلب البطلان الحكم بذاته وهي :

         أولا : إذ تمسكت هيئة التحكيم خطأ باختصاصه أو بعدم اختصاصها.
       من مميزات التنظيم القانوني للتحكيم التجاري الذي جاء به المشرع الجزائري ،إقرار مبدأ استقلالية اتفاقية التحكيم عن العقد الأصلي الذي أصبح من المبادئ المعترف بها على الصعيد الدولي (70) وعليه لا تتبعه وجد او عدما ولو حرر شرط التحكيم على الشكل بند من بنوده أو حتى إذا انقضى هذا الأخير بتنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتق الأطراف (71).
       
و نتيجة ذلك ، يعطي لهيئة التحكيم سلطة النظر في اختصاصها و هو يسمى اللغة الاجنيبة compétence de la compétence ، ويعني ذلك ان الهيئة هي التي تقرر كونها مختصة بالنظر في الموضوع ام لا حتى ولو رفع طعن بخصوص صحة العقد الأصلي أمام محاكم وطنية .
   وبالتالي على هيئة التحكيم ،قبل التطرق إلى الموضوع ، الفصل في اختصاصها إذا تقدم إحدى الخصوم بدفع عدم الاختصاص بحيث يطلب منها الامتناع عن الفصل في النزاع لخروجه عن ولايتها طبق لاتفاقية التحكيم أو لسبب عدم وجود مثل هذه الاتفاقية أو عدم صحتها ويكون الفصل على ضوء القانون الواجب التطبيق لتقرير مدى وجود أو صحة الاتفاقية بوصفة مسألة أولية .

     لذا استوجب القانون الإبداء بمثل هذا الدفوع قبل البدء في النظر في  إي طلب آو دفع موضوعي و إلا سقط حق التمسك به فالفصل في الدفع الشكلي  قد يغني الهيئة عن التعويض إلى الموضوع  في حالة  إقرارها بعدم  اختصاصها ،أما إذا رأت أنها لا تستطيع الفصل فيه إلا بعد البحث في النزاع لتبيين ما إذا كانت تقضي بقبوله أو برفضه ،فحينئذ يجوز لها أن تقرر يضم الدفع إلى موضوع  لتقضي فيهما معا شرط أن تبيين ما قررته في شانه على حدى ما كما نصت عليه المادة 458 مكرر 7 من قانون الإجراءات المدنية .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (68) (J) Robert – (B) Moreau – opcit . p 11 parag 135.
(69) «  on attaque  l’ordonnance mais c’est la sentence que l’on vise «
V(H) motusky opcit p 329.
(70) – انظر المادة 458 مكرر ¼ من قانون الاجراءات المدنية .
و (A) Redfern – (M) hunter opcit p 224
(71) (N) Terki – l’arbitrage ….. – opcit p 135.
.                                                                                                                                                                             

   تفصل محكمة التحكيم في اختصاصها بقرار أولى إلا إذا كلن الدفع بعدم الاختصاص مرتبط بموضوع النزاع على ان حضور الجلسات و المرافعات في الموضوع لا يعد قبولا للقرار الصادر برفض الدفع بعدم  الاختصاص ، ولا يمنع من الطعن فيه (72).

كما يجوز الطعن في حالة رفض الهيئة حل النزاع لا قرارها بعدم اختصاصها  غير أن اتفاقية التحكيم تفيد العكس (73).

          ثانيا: إذا فصلت هيئة التحكيم بدون اتفاقية باطلة او انقضت مدتها.
          او بناء على كل اتفاقية باطلة او انقضت مدتها.
        علما أن هيئة التحكيم تستمد اختصاصها من اتفاقية التحكيم فعليه ، كل عيب يشوب .
    
 هذه الأخيرة يصبح سببا للطعن في القرار الذي يسمح بتنفيذ الحكم الصادر على أساسها أو بطلانه ،وعلى الطاعن ان يقيم الدليل على ذلك ، مثل الادعاء بعدم أهلية الطرف الثاني في الاتفاقية للتصرف في الحقوق محل النزاع القاضي إعادة النظر في مدى توافر الشروط الشكلية و الموضوعية المطلوبة وفقا للقانون الواجب التطبيق سواء كان قانون اختاره الأطراف أم قانون البلد الذي تمت فيه عملية  التحكيم (المادة 458 مكرر 1/3 من قانون الإجراءات المدنية )(74).

إلا انه تجدر الإشارة إلى أن هيئة التحكيم لم تفصل  في النزاع على أساس اتفاقية باطلة أو غير موجودة انقضت مدتها فهذا يعتبر تمسك خاطئ باختصاصها في حل النزاع ومنه يستطيع الطاعن التمسك بالحالة الأولى لطلب إلغاء القرار الأمر بالتنفيذ أو طلب بطلان الحكم على أساس الدفع بعدم الاختصاص وبعبارة أخرى،كان بإمكان المشرع دمج الحالتين في حالة واحدة إنهما يصبوان إلى نفس الهدف ويحقق الطاعن نفس الغاية و السبب و الذي عند الأخذ على اتفاقية باطلة او انقضت مدتها ،ومعنى انقضاء مدة الاتفاقية هو تجاوز المدة المحددة لإصدار الحكم و الذي لم تحترمه هيئة التحكيم ،فاغلب القواعد التحكيمية تحدد مدة معينة على المحكمين إن يصدر و خلالها حكمهم لوضع حد النزاع حتى لا يضاع الوقت وبه تضيع ميزة السرعة التي يمتاز بها التحكيم ،وعليه فالانقضاء المنصوص عليه يخص مدة صدور الحكم الذي يؤثر على وجود اتفاقية التحكيم إذا تعتبر مدتها منقضية بدورها(75).
و نشير الى نصوص القانون الجديد المنظم للتحكيم التجاري الدولي لا تعالج المدة التي في خلالها يجب إصدار حكم وهذا نقض يلفت إليه حين الأخذ بالقانون الإجراءات المدنية الجزائرية اسير عملية التحكيم وتكون المدة غير محددة من طرف الأطراف حيث أن الأصل عند سكون هذه الأخيرة ،يوخذ بنصوص القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق (76).
ثالثا : اذا كان تشكيل هيئة التحكيم او تعيين المحكم الوحيد مخالفين للقانون :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
72- انظر                                                                                              © Gavalda – © Deleyssac – opcit .p. 95  
73- انظر                                                                                                                  (M) jaquet – opcit .p 25 et s 
74- انظر في الموضوع قرار هيئة تحكيم تابعة للوكالة الدولية لتسوية المنازعات بين الدول ورعايا الدول الأخرى التي رفضت الفصل في نزاع لعدم اختصاصها لكون إحدى الأطراف غير مؤهلة للجوء إلى التحكيم .
V – note : (E ) Gailard Cirdi – J.d.i n°1 paris 1995 p 161 et s.et (j.j )Alnaldez – in chronique des sentence  arbitrales – J.D.In°4 paris, 1049.
(p) fouchard – opcit .p. 383 .
75) اخذ الاستاذ تركي بالفكرة مستندا على ماجاء به القانون الفرنسي الذي اعتمد على (5) خمسة حالات عوضا من (8) ثمانية وذلك لكون اختصاص
هيئة التحكيم مستمد من اتفاقية التحكيم و بالتالي فوجده من عدمه مرهون بصحة هذه الاتفاقية من عدمها .
            136 et s           (N) terki – l’arbitrage international opcit
   انظر المادة 1502 من قانون الاجراءات المدنية الفرنسية :
L’appel de la décision qui accord la reconnaissance ou l’exécution estouverte que dans les cas suivants :
Si larbitre a statué sans convention d’arbitrage ou sur convention nulle ou expirée.



الإجراءات المدنية الجزائرية يعد من قبيل عدم الامتثال للمهمة المسندة ما يخص الفصل في الدفوع الشكلية المادة (458 مكرر 7 ) في تقدييم الأدلة (458 مكرر 10) في الدولة وفي ذكر البيانات الجوهرية لصحة الحكم شكلا كالتوقيع و التسبيب (المادة 458 مكرر 13) .
يجوز الطعن بالاستئناف في قرار القاضي الذي يسمح بالتنفيذ او بالبطلان حكم التحكيم حسب الحالات عندما لا يتم تشكيل هيئة التحكيم وفقا لما جاءت به اتفاقية التحكيم أو وفقا للقواعد التحكيمية التي اختارها الطرفان لسير إجراءات التحكيم ويعود القاضي الى نصوص الاتفاقية للبحث في الطعن اذا ما نصت على تعيين المحكمين نصت على طريقة تعينهم (77).
كما يدخل في نطاق هذه الحالة العيوب التي تمس شخص المحكم لما تتوفر فيه احدى المؤهلات المتفق indépendance ,neutrralité et imparialitéعليها وهي اما الاستقلالية ام الحياد ام النزاهة   
او لعدم اهليته حسب قانونه الشخصي (78).
   وفيما يخص المؤهلات المعنوية التي قد لا تتوفر في احدى المحكمين ،اعطيت للطرف المعني بالامر فرصة طلب رده وذلك فبل البدء في عملية التحكيم ،وحين توجد ظروف تثير شكوكا لها ما يبررها حول حول حيادة استقلاليته ،ولقد نظم المشرع الجزائري المسالة في مادة 458 مكرر 1/5 من قانون الاجراءات المدنية في حالة تطبيق قانون الاجراءات المدنية الجزائري على عملية التحكيم :
" يمكن رد المحكم :
أ) عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الاطراف .
ب) عندما يكون سبب الرد المنصوص عليه في النظام التحكيم الذي اعتمده الاطراف قائما
ج) عندما تسمح الظروف بارتياب المشرع في استقلاليته لا سيما بسبب وجود العلاقات الاقتصادية او علاقة مصالح مباشرة او بواسطة شخص اخر مع طرف من الاطراف.
ويعود اختصاص الفصل في طلب الرد للجهة القضائية المحددة في المادة 458 مكرر 2 من نفس القانون التي تعطي لها سلطة تقديرية لتقييم مدى قوة الشكوك المثارة ومدة صحتها ويكون الامر الذي تصدره في شانه غير قابل لاي طعن المادة 458مكرر 5/3 من قانون الإجراءات المدنية ).
ولتجنب اسباب الرد ،اعتمدت هيئات التحكيم الدائمة وسيلة تلزم بموجبها المحكمة بالتصريح بكل الظروف التي من شانها ان تثيير الشكوك حول حيادة او استقلاليته وذلك قبل قبول مهمة الفصل في النزاع ويستمر هذا التزام على المحكمة منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم الة حين صدور تحكيم (79).




-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------(77) (J) thiefry opcit p 101
(J) robert (B) Moreau Opcit .p.12. parag ,145
(78) IBID – opcit .p.12 , parag 144.
79) انظر المادة 7 من نظام التحكيم للغرفة التجارية الدولية التي تنص على:
Tout arbitre nommé ou confirmé par la cour doit etre et demeure indépendence des parties en cause .avant  sa nomination ou sa confirmation par la cour l’arbitre présente fait connaitre par écrit au secrétair général de cour les faits ou ciconstances qui pourraient étre de nature à mettre en cause son indépondance dans l’esprit des parties des reception des cette information , le secrétaire général de la coure la communique par écrit aux parties et leursobservations éventuelles .l’arbitre fait connaitre immédiatement par écrit au secrétaire général de la cour et  aux parties les faits ciconstances de meme nature qui surviendraient entre sa nomination ou sa confirmation par la cour et la notification de la sentence finale ……

سابعا: اذا لم تسبب هيئة التحكيم او لم تسبب بما فيه وعلى القاضي عند النظر في الطعن ان يتحقق من صحة تشكيلية الهيئة وفي حالة توافرها المؤهلات يرفض الطعن ولو قام هذا الأخير على أساس عدم   أمام تلك الهيئة بدون تحفظ في هذا الشأن يعد من قبيل القبول الضمني لتشكيلها (80).
رابعا :فصلت هيئة التحكيم دون الامتثال للهمة المسندة إليها خلافا لما جاءت بها الحالات السابقة الذكر فعد الامتثال هيئة التحكيم المسندة اليها تتجلى في عدم احترام اجراءات المتفق عليها عن طريق اتفاقية التحكيم التي تستمد منها اختصاصها (81) ففي احتمال اختيار قانون
توافر المؤهلات اللازمة في احد المحكمين خاصة اذا كان العيب لا يمس من حيادة أو من مبدأ مساواة بين الأطراف او من حق الدفاع لان مثول الطاعن
كما يعد خرقا  للمهمة للمسندة حالة الحكم في الموضوع تطبيقا لقانون معين غير أن هيئة مفوضة بالصلح و العكس صحيح كما يمكن اعتبار تمسكها خطأ بعدم اختصاصها بمثابة عدم الامتثال للمهمة المسندة إليها(82)  .
واستنتاجا لما جاء نتسال عن سبب النص على الحالتين كان من الممكن دمجها مع هذه الحالة وهما حالة عدم تسبيب الهيئة للحكم  او تسبيبها ناقصا او يوجد تضارب في الأسباب ،وكذا حالة فصلها زيادة عن المطلوب او تفصل في طلب قلم ،فكما سوف نراه ،تعد هاتين الحالتين الأخيرتين سببين يمكن تأسيس الطعن بالاستئناف او البطلان عليهما لان الهيئة التحكيمية لم تمثل للمهمة المسندة إليها (83)
خامسا : اذا فصلت هيئة التحكيم زيادة عن المطلوب
او لم تفصل في وجهة وجوه الطلب .
تعمل أغلبية التشريعات الوطنية على اعتبار هذه الحالة عدم الامتثال هيئة التحكيم المسندة اليها ،فالحكم في طلبات غير واردة في اتفاقية التحكيم هو خروج عن ولايتها في الحكم في النزاع (84)، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي الذي ينظر في الطعن ان يلغي الجزء الزائد من الحكم اذا كان بامكانه تجزئته دون أن يؤثر ذلك على بقية أسبابه (58) ،وهو الأمر الذي جاءت به اتفاقية نيويورك التي اجازت لقاضي التنفيذ تجزئة الحكم ،إضافة إلى ذلك لا يوجد اي نص قانوني يحول دون التنفيذ الجزئي (86).
اما فيما يخص النقص في الحكم و الاغفال في الفصل في احدى الطلبات فهي كذلك سبب اسباب الطعن لأن الهيئة ملزمة على الرد على كل الطلبات المطروحة امامها و الا اعتبر ذلك خرق للمهمة المسندة إليها (87)،غير انه في بعض الأحيان يتخذ المتضرر الذي هو طرف في النزاع سبيلا اخر اذا يطلب من الهيئة من اي جهة أخرى سواء المحاكم الوطنية أم هيئة تحكيمية جديدة (88).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(80) P.fouchard opcit page 445.
81)- د/ عبد المنعم الدسوقي – المرجع السابق – ص 254.
(J) robert –(B) Moreau – opcit p 12 parag 151. انظر                                      82
83) C .Gavalda – (c) Deleyssac : opcit page 12 parag 151.
84)N)Terki : l’arbitrage …… : opcit page 137.
(85) P.Fouchard : opcit page 415.
(86)N.Bencheikh : opcit page 254
(J) Theiffry – opcit p.103                                         انظر                                      87  
88) Note : (D) foussard , (sous cass, 2em c – civ) 7 janvier 1999 revab II -1999.P284
حجية الأمر المقضي لا تمنع من تفسير الحكم ولا من تصحيحه و لا من الفصل فيما أغفلت المحكمة من طلبات موضوعية ."
انظر : د / عبد الرزاق السنهوري – المرجع السابق – 645.



سادسا:  إذا لم يراع مبدأ حضور الأطراف  .
سبق وان تعرضنا إلى شروط احترام مبدأ المواجهة واحترام حق الدفاع من قبل هيئة التحكيم عند التطرق  إلى الرقابة المفروضة على حكم التحكيم ،وقلنا ان القاعدة في التحكيم التجاري الدولي مثلها مثل القاعدة في التقاضي العادي هي إعلان الأطراف المتنازعة بالحضور إلى جلسات هيئة التحكيم و المثول أمامه تمثيلا صحيحا حتى يتسنى لكل منها تقديم طلباتها ودفاعها ، ويكون كل طرف على علم بما تقوم به الهيئة و الطرف الخصم.
إلا انه في الميدان العلمي يستحيل عل القاضي مراقبة مدى احترام هاذين المبدأين لعدم المامى بما جاءت به التشريعات الأجنبية المختلفة ،ولذلك على الطاعن التمسك بهذا السبب وإقامة الدليل على أن هيئة التحكيم تراعي حقه في الدفاع إذا لا يمكن للقاضي التحقيق بنفسه من عدم توافره دون النظر في الموضوع وهذا ما لا يجوز لخروجه من نطاق اختصاصه (89).

الكفاية أو إذا وجد تضارب في الأسباب :
حكم التحكيم عمل مكتوب و الكتابة شرط ضروري لإثبات وجوده أم القضاء
الجزائر لإضفاء الصيغة التنفيذية عليه ،فيجب على هيئة التحكيم احترام الشروط الشكلية المتطلبة لصحتها منها تسبيبه للقانون المطبق على الإجراءات التحكيم ما لم يتفق الخصوم على خلاف ذلك في اتفاقية التحكيم (90) ،فلا يخفى علينا ينطوي عليه التسبيب في بعث الثقة في نفوس الأطراف المتنازعة حيث لا يسمح لكل واحد التعرف على إي أساس قانوني صدر الحكم (91).
فغالبا ما يعمد المحكمون إتباع طريقة المحاكم الوطنية في تسبيب أحكامهم لان السبب الذي يعطيه المحكم لاتخاذ الحكم يعتبر مهما جدا نظر لان صحته او بطلانه يتوقف على مدى صحة التسببي و منطقيته (92).
غير انه لا يعد عيب عدم التسبيب من النظام العام الدولي بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي الذي قد يخضع لقانون الإجراءات لا يشترط التسبيب لصحة الحكم و بالتالي لا يجوز للقاضي ان يقضي به من تلقاء نفسه بل يجب
الطاعن التمسك به عند الطلب إلغاء القرار الذي يسمح بتنفيذ حكم التحكيم او طلب بطلانه ففي حالة اختيار تطبيق قانون الإجراءات المدنية الجزائرية يصبح التسبيب حينئذ من النظام العام وكل حكم تحكيم خال من الأسباب يعد باطلا عملا بالمادة 458 مكرر 3 من نفس القانون (93).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
89) – د/ حفيظة السيد حداد – المرجع السابق –ص 343
90)- د/ صالح بن عبد الله العوفي – المرجع السابق 423
(91) « que l’on soit en présence d’un jugement ou d’une sentence arbitral les parties ont un droit, celui de pouvoir saisir pour quelles raisons elles ont été « 
3V- note (D)  foussard opcit .p. 289
92) – منير عبد المجيد – المرجع السابق – ص 258 ومابعدها .
Deleyssac – opcit .page 78.انظر                                                                                                                      و
(A) redfern .(M) hunter – opcit page 320.
93) – لا يعتبر المشرع الجزائري تسبيب الحكم من النظام العام الدولي لانه لو كان كذلك لادرجه في نطاق الحالة الثاني.
(j) robert –opcit .page 304                                                                انظر في الموضوع :         


وعلى نفس الأساس ،يجوز الطعن في الحكم مباشر بطريقة غير مباشرة (الطعن في القرا رالذي يسمح بتنفيذه ) اذا لم تسبب هيئة التحكيم حكمها بما فيه الكفاية اذا وجدت تلك الاسباب الا انه متضارية .
ويقصد بالتسبي الغير كاف ذلك التسبيب الناقص في الرد على الدفاع اغفلت الهيئة على الرد عليه دون اعطائه الاهمية اللازمة رغم انه من الفوع الجوهرية الذي قد يتغير به منطوق الحكم (94) ،مثل ذلك الدفاع قوة قاهرة و الذي قد يغير من تكييف المسؤولية .
اما التضارب في الالسباب  فيعني تناقضها الى حد اعتبار الحكم فير مسبب ،و يتحقق في حالة تضاربها  تضارب لمنطوقه ينتفي معها اماكن ملائمة بينها وبين الحكم   dispositif Incohéence entre les motifs de sentence et son  
بحيث  يتعذر اقامته على هذه الاسباب ،مثل ذلك المنطوق الذي يقر انتفاء حيث الخصم في طلب التعويض وفي نفس الوقت تم التطرق الى ثبوت ركن الخطأ المؤسس عليه طلب التعويض (95).
كما يتحقق التضارب في الاسباب في حالة عدم وجود اتجاهين متضادين بحيث يتفق احداهما مع منطوق الحكم ويعتبر مبينا عليه بينما يكون الاتجاه الاخر مناقضا ومغايرا للاتجاه الاول اذا لو قامت عليه ،لكن منفصلا بالمنطوق خاليا لانه من غير الممكن معرفة اي منها بيني عليها الحكم (96).
وفي هذا الصدد ،يرى بعض المؤلفين ان التضارب في الاسباب وان كان عيبا يمكن على اساسه طلب الغاء الحكم القضائي ،لا يجب اعتباره سببا لبطلان او رفض تنفيذ حكم التحكيم لان رقابة القاضي الوطني له يعتبر تدخلا في موضوع النزاع ومراجعة له وهذا امر لا يسمح به في التحكيم الدولي الذي حدد نطاق الرقابة بالتحقيق فقط من وجود اتفاقية التحكيم و صحتها وعدم مخالفة الحكم للنظام العام الدولي دون النظر في الموضوع (97).
اضافة على ذلك تجدر الاشارة الى انعدام  التسبيب او عدم كفايته او التضارب في الاسباب في حكم التحكيم رغم وجوبه طبقا لقانون الادارات المختار من قبل الاطراف المتنازعة في اتفاقية التحكيم  يعتبر من قبيل عدم الامتثال هيئة التحكيم للمهمة المسندة  وبالتالي يمكن ادراج هذه الحالة ضمن الحالة الرابعة التي سبق وتطرقنا اليها وهي في حالة فصل الهيئة في النزاع دون الامتثال للمهمة المسندة اليها (المادة 23 مكرر من قانون الاجراءات المدنية (98).




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (94) –د/ محمد احمد عابدين – المرجع السابق – ص 347.
        د/ عبد الحميد الشورابي – الاحكلم المدنية ..... – المرجع السابق – ص 82.
      بوبشير محند امقران – المرجع السابق – ص 331 وما بعدها.
95) –د/ احمد ابو الوفا – المرفعات المدنية و التجاري . – المرجع السابق –ص 753
© Gavalda –© Deleyssac – opcit .page 79 .96)انظر
(N) terki l’arbitrage international ……opcit page 139                              
 note (E) Gaillard – sous civ , lé C) 5 mars 1998 rev, arab I.
1999 .page 93.
(98) (J) Robert – (B) Moreau – opcit p13 parag158 .


ثامنا : اذا كان الاعتراف او التنفيذ مخالفا.
للنظام العام الدولي .
على عكس الحالات السابقة التي تتمحور حول رقابة حسن  سير اجراءات التحكيم ومدى مراعاتها من قبل هيئة التحكيم المصدرة للحكم دون السماح للقاضي من رقابة تطبيق القانون على موضوع  النزاع فان التحقيق من احترام الحكم للنظام العام الدولي  يستوجب على القاضي المختص اعادة النظر قرارهم لهذا النظام (99).
ولقد سبق لقاضي التنفيذ مراقبة ومدى توفر الشرط عند رفع طلب الامر بالتنفيذ امامه (100) ،وبالتالي يكون الطعن في القرار الذي يسمح بالتنفيذ بمثابة تظلم امام محكمة اعلى درجة و التي لم تنتبه لعدم توفر الشرط الموضوعي المتطلب لصحة الحكم قانونا ، وعلى الطاعن التمسك بهذه الحالة قامة الدليل على وجود مساس بالنظام العام الدولي (101).
وعلى القاضي ،في هذه الحالة تفسير فكرة نظام العام الدولي تفسيرا ضيقا يتماشى مع مستلزمات التجارة الدولية واعرافها، لهذا السبب وتحقيقا لفعالية التحكيم يجوز له تجزئة الحكم بحذف الجزء المخالف للنظام العام الدولي ان امكن عملا باحكام اتفاقية نيويورك التي تجيز التجزئة مبدئيا (102).

ويستخلص مبدأ جواز تجزئة حكم التحكيم من المادة 5 فقرة 1 (ح) التي تنص على مايلي :
أن الحكم فصل في النزاع الغير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم او تجاوز حدودهما فيما قضى به ومع ذلك يجوز الاعتراف و تنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلا للتسوية بطريقة التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم غير المتفق عن حلها بهذا الطريق .
واستنتاجا لما جاء ،نلاحظ ان المشرع الجزائري و لو فتح باب الطعن في حكم التحكيم في ثمانية حالات فهذا لا يعتبر توسعا على عكس التشريعات الاجنبية الاخرى التي تاخذ عادة بخمسة حالات فقط منها التشريع الفرنسي (103) لان هناك حالات تتشابه إلى حد إمكانية إدخالها ببغضها البعض في البعض دون المساس بروح المادة 458 مكرر 23 من قانون الإجراءات المدنية ودون المساس بصلاحيات الجهات القضائية الوطنية المتعلقة برقابة حكم التحكيم بل بالعكس فتخليص تلك الحالات يعتبر تسهيلا لمهمتها وهو الهدف الذي كان يصبو إليه المشروع  وفي نفس الوقت نمنع الطاعن من استعمال وسائل قانونية للمماطلة في تنفيذ الحكم الصادر ضده هذا من جهة أخرى ن نمنع بعض القضاة وتوسيع نطاق اختصاصهم في راقبة صحة الحكم واتفاقية التحكيم ن  والتوضيح الفكرة، نأخذ على سبيل المثال الحالة الرابعة التي تسمح بالطعن في الحكم إذا لم تمتثل هيئة التحكيم للمهمة المسندة إليها ،فإذا اخذ بها الطاعن ،لا يبقى أمام  القاضي سوى التوسيع في رقابة للحكم مدام لا ينظر في الحالات الاخرى هي مدى  وجوب  التسبيب وعيوبه  كما لا ينظر في حالة فصل الهيئة زيادة عن المطلوب آو اوجد إغفال في الرد على طلبات الأطراف ،إضافة على انه لا ينظر في مدى احترام مبدأ المواجهة وحق الدفاع لان كل هذه الحالات منصوص عليها على حدا و التوسيع سوف يتجلى في رقابة جزئيات أخرى لا تعتبر في حقيقة الأمر جوهرية بالنسبة مادام داخل في اختصاصه .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
 (J) Robert- opcit p 304.
© Gavalda – © Deleyssa –opcit.
100)- انظر الشروط الموضوعية لصحة التحكيم الفصل الثاني – المبحث الثاني .
101- يحب الاخذ بمصطلح " تظلم " بمفهومه اللغوي و ليس القانوني .
102-انظر (N) Terki – l’arbitrage international …… opcit 141.
Page 163. (J) robert (B) Moreau – opcit.
103) انظر .                                                                                                           ) Bekhechi - Opcit . page 69       A
و انظر المادة 1502 من قانون الاجراءات المدني الفرنسي .



الفرع الثاني : اجراءات الطعن  الموحدة
كرس المشرع الجزائري مبدا وحدانية الطعون بوضع قواعد اجرائية موحدة للطعن في احكام التحكيم مهما كان مصدرها وتظهر في تحديد الجهة القضائية المختصة به ومواعيد رفعه وكذا اثاره .
فالمادة 458 مكرر 26 من قانون الاجراءات المدنية الخاصة باطعن بالبطلان في احكام التحكيم الصادرة في الجزائر تنص  على مايلي:
"يرفع الطعن بالبطلان المنصوص عليه في المادة 458 مكرر 25، امام المجلس القضائي الذي صدر القرار التحكيمي في دائرة اختصاصه ويقبل هذا الطعن ابتداء من النطق بالقرار التحكيمي. ولا يجوز قبول هذا الطعن اذا لم يرفع  في الشهر الذي تم فيه تبليغ القرار التحكيمي المصرح بقابلية للتنفيذ" .
وبهذا تم توحيد اختصاص النظر في الطعن بالبطلان في الاحكام الصادرة في الجزائر و النظر في الطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بتنفيذ الاحكام الصادرة في الخارج امام نفس المجلس ،وترتيبا على ذلك تثار الاسباب التي تتيح الطعن في قرار الامر بالتنفيذ عملا بالمادة 458 مكرر فقرة الاولى من نفس القانون و التي تنص على مايلي :
"يمكن ان تكون القرارات التحكيمية الصادرة بالجزائر في مجال التحكيم الدولي موضوع الطعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في المادة 458 مكرر 23 اعلاه".
ولذالك لايجيز القانون الطعن في الامر الذي يسمح بتنفيذ حكم التحكيم الصادر بالجزائر باي طريق من طرق الطعن مدام بامكان المعني بالامر الطعن مباشرة في الحكم بالبطلان و بالتالي لامجال في التشريع الجديد لاقامة الطعنين في وقت واحد ،كما  لا يعتبر صدور القرار الامر بالتنفيذ شرطا لاستعمال الحق
و في الطعن في الحكم ،فرفع دعوى البطلان في الميعاد المحدد  قانونا يترتب عليه وبقوة القانون الطعن في قرار الامر بالتنفيذ او سحب طلب التنفيذ من القاضي المختص سلطته في الامر بالتنفيذ (104).
فبالنسبة  للطعن بالاستئناف في القرار الذي يسمح بالتنفيذ ، يسري المعاد من تاريخ تبليغ القرار القاضي الى الشخص المحكوم ضده وهو شهر (105).
اما بالنسبة للميعاد رفع الدعوى البطلان ،فهو مفتوح ابتداء من تاريخ النطق بالحكم وينتهي بمضي  شهرا على اعلان الحكم المشمول بالصيغة التنفيذية (106).
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
104- انظر المادة 458 /25 فقرة 2 من قانون الاجراءات المدنية .
انظر                                                                                                                         (p) Fouchard – Opcit p 410
105 – انظر المادة 458 مكرر من قانون الاجراءات المدنية .
106 – انظر المادة 458 مكرر 26 من قانون الاجراءات المدنية.








و يترتب على عدم احترام الميعاد سقوط الحق في الطعن ، ولما كان من النظام العام فكل طعن يرفع بعد انقضائه يعد باطلا (107) ، وساتنادا الى ذلك فان الدفع بعدم القبول الطعن شكلا لرفعه خارج الميعاد يقضي به القاضي من تلقاء نفسه ،كما يكون التمسك بالسقوط في اي حالة تكون عليها الدعوى ولو لاول مرة امام المحكمة العليا (108) .
ولما كانت هذه المواعيد خاصة ،فلا مجال للعمل بنص المادة 104 من قانون الاجراءات المدنية التي تجيز تمديد مهل الاستئناف بالنسبة للمقيمين في تونس  و المغرب و بالشهرين بالنسبة للمقيمين  في بلاد اجنبية اخرى ،وذلك احتراما للقاعدة "الخاص يقيد العام"، فلو اتجهت نية المشروع الى عكس ذلك لاكتفى بالشارة الى القواعد العامة دون تحديد لميعاد معين كالنص مثلا :" يرفع الطعن في الميعاد المقرر قانونا ".
اما بالنسبة لاثر لرفع الدعوى البطلان ،فلقد نص المشرع بصريح النص على وقف تنفيذ حكم التحكيم بمجرد رفع الدوى ،شان اثر الطعن بالاستئناف في القرار الذي يامر او يرفض التنفيذ (109).
وان كان الاصل في الطعن بالاستئناف انه يحدث اثر موقف عملا بالمادة 102 من قانون الاجراءات  المدنية ،فان الحكمة من ايقاف تنفيذ الحكم التحكيم عند الطعن بالبطلان راجع الى ان المشرع لما حرم الخصم المحكوم ضده من الطعن بالاستناف في الحكم ذاته فانه وضع له  البديل بإجازته دعوى البطلان ولان قابلية حكم التحكيم للطعن بالاستئناف عن طريق غير مباشر (الطعن في القرار الذي يسمح التنفيذ) يمنع التنفيذ بحسب الأصل ،فقد رتب القانون وفق التنفيذ على بديل الاستئناف و هو دعوى البطلان (110).
كما لا يمكن تصور التنفيذ حكم التحكيم تم إلغاؤه او إلغاء القرار الصادر بتنفيذه خاصة وان القاعدة في كافة التشريعات إن هذه الأحكام لا تكون قابلة للتنفيذ  إلا بعد صدور قرار يأمر بتنفيذها و هو الشيء الذي يبرر نص المادة 458 مكرر فقرة 2 الذي يستوجب سحب طلب التنفيذ من القاضي عند الطعن بالبطلان في الحكم فلا يخفي علينا أن المقصود من الدعوى هو إنكار حكما التحكيم وبالتالي انعدامه إن صحت الدفوع التي بنيت عليها و هي أسباب تتصل بعدم مراعاة الإجراءات الأساسية للتقاضي التي تمس بحقوق الخصوم.
وأخيرا، توحيد للقواعد المتعلقة بالطعنين سواء ببطلان التحكيم الصادر بالجزائر آو باستئناف القرار الذي يأمر بتنفيذ الحكم الصادر بالخارج فانه يترتب على رفضهما إصباغ حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية ،وتكون أحكام المجلس القضائي قابلة للطعن بالنقض كانت مؤيدة أو رافضة للطعنين (111).
المبحث الثاني :طــــــــــــــــرق الطعـــــــــــــــــن المشتركـــــــــــــــــة
بعد أن تعرضنا لدراسة الطعون الخاصة بكل من أحكام التحكيم الصادرة في الخارج و التي تصدر في الجزائر في مادة التحكيم التجاري الدولي وتبين لنا إن الحكم  مهما كان مصدره لا يقبل الطعن العادي مباشرة و تحقيقا لفعالية  التحكيم كوسيلة قانونية لفض النزاعات التجارية و الدولية عن طريق القضاء الخاص ،إلا انه يستطيع  من صدر الحكم ضده الطعن فيه أمام الجهات القضائية المختصة في حالة توافر أحدة الأسباب المقررة على سبيل الحصر وذلك حرصا على حقوق الخصوم .(112)
ولما كانت القاعدة هي المساواة أمام القضاء ،سمح القانون لمن يرفض طلبه بالتنفيذ (المحكوم لصاله ) الطعن بالاستئناف في القرار الأفضل بغض النظر عن مكان صدور الحكم سواء في الخارج ام في الجزائر هذا من جهة ومن جهة أخرى ،تكون جل الأحكام القضائية الصادرة في الطعون بالاستئناف وفي الطعن بالبطلان من قبل المجالس القضائية المختصة حسب الحالات  التي تنص على ما يلي: "تكون أحكام الجهات القضائية ،الصادرة بناء على الطعن بالبطلان  لقرار التحكيمي أو بالاستئناف طبق للمادتين 458 مكرر 22و 458 مكرر 23 ،قابلة للطعن بالنقض" .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
107 – د/ نبيل اسماعيل – المرجع السابق – ص 1135
        د / محمد عابدين – المرجع السابق .
108 – د / امال الفزايزي –دور قضاء الدولة ... المرجع السابق – ص 147
109 – تنص المادة 458 مكرر من قانون الاجراءات المدنية على مايلي:
يوقف اجل التقديم الطعون المنصوص عليها في المواد 458 مكرر 22 ،458 مكرر 23،458 مكرر 25 تنفيذ الاحكام التحكيمية و للطعن المقدم في الاجال اثر الموقف كذلك.
110 – د احمد خليل – المرجع السابق – ص 112
111 – امظر المادة 458 مكرر 28 من قانون الاجراءات المدنية .
و انظر : د/ احمد ابو الوفا – التحكيم الاختياري ..... – المرجع السابق – ص 323     
و                                                                                                (J) Robert  - (B)Moreau – Opcit P14, paga,174
                     (N) Terki – l’arbitrage international ……………. – Opcit p 142
              (112) C.Gavalde –deleyssac-opcit page 100.
و على ضوء ماتقدم يمكن تقسيم المبحث الى مطلبين على النحو التالي :
المطلب الاول :الطعن بالاستئناف في القرار الذي يرفض التنفيذ المطلب الثاني الطعن بالنقض .
المطلب الأول :الطعن بالاستئناف في القرار الذي يرفض التنفيذ
الطعن بالاستئناف الذي نحن بصدد دراسته هو الطعن الموجه ضد القرار الرافض الاعتراف و التنفيذ و يكون المستئانف في هذه الحالة هو الشخص الذي صدر حكم التحكيم لصالحه فما هي الجهة المختصة بالنظر فيه ( الفرع الأول) ، وهل يستوجب حضور المستأنف عليه لإبداء دفاعه (الفرع الثاني ) 
الفـــــــــــــرع الأول :الجهة المختصة بالنظر في الطعن
تكريسا لمبدأ وحدانية الطعون ، يختص المجلس القضائي الذي يتبعه القاضي اصدر القرار الرفض بالنظر في الطعن بلااستئناف و هي نفس الجهة القضائية التي تنظر فيها كذلك في الطعن في القرار الذي يسمح  بالتنفيذ ،ويكون الميعاد الطعن شهرا ابتداء من تاريخ تبليغ القرار محل الطعن (113).
و للتذكير اعتمدت ا اتفاقية نيويورك في مادتها الخامسة فقرة 2( ا،ب) حالتين تجيز فيهما القاضي الوطني رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيم :
حالة عدم قابلية النزاع للتسوية عن طريق التحكيم طبقا لقانون البلد المراد تنفيذ الحكم فيه  ومثال عن ذلك رفض إحدى المحاكم الأمريكية تنفيذ حكم التحكيم صادر في سويسرا يلزم الجماهيرية الليبية على دفع تعويض لشركة نفط أمريكية من جراء اخذ القرار التأميم من قبل ليبيا ،ورغما دفع هذه الأخيرة بالحصانة السيادية إلا أن  قرار رفض الاعتراف و التنفيذ لم يؤسس على هذا الدفع لان القانون الأمريكي يعتبر اتفاقية التحكيم بمثابة التنازل عن كل حصانة بل لان موضوع النزاع و هو التأميم من المواضيع التي يجوز تسويتها عن طريق التحكيم وفق للقانون الوطني الأمريكي (114) .
ولما جاءت هذه الأسباب على سبيل الحصر فلا يجب للقاضي ان يتعدى حدودها مراقبة للحكم ويبقى للمحكوم ضده حق التمسك بالأسباب الأخرى الواردة في الفقرة الأولى ن نفس المادة (115).
وأساس ذلك أن الرقابة المفروضة على الحكم لا يجب تتناول موضوعية ،إذا لا ينظر في صحة هيئة التحكيم من حيث القانون آو العدالة كما سبق شرحه ،وعليه يجب أن يكون قرار الرفض مسببا حتى يتسنى لمن رفض طلبه الطعن فيه (116) ،وفي هذه الحالة  نتسال عن مدى وجوب حضور المستأنف  .
عليه لتقديم دفاعه ام يكتفي المحكوم لصالحه بتقديم طلب جديد للمجلس القاضي الذي هو اعلى درجة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
113- انظر                                                                                            (A) Redfern – (M) Hunter – Opcit .P 374
                        David – l’arbitrage dans le commerce - ………. Opcit .P. 553.
و انظر المادة 458 مكرر من قانون الاجراءات المدنية .
114- انظر في الموظوع :د/ فوزي محمد سامي – المرجع السابق ص 396
115 – هي نفس الحالات التي اعتمدها المشرع الجزائري في المادة 458 مكرر 23 من قانون الاجراءاتمع شيء من التوسيع الذي يعقد مهمة القاضي اكثر من تسهيلها
انظر                                                                                        .(J) Robert (B) moreau – Opcit page 11 parag , 129
 116 – د/ امال الفزيري – دور قضاء الدولة .......... – المرجع السابق – ص 124
الفـــــــــــــــرع الثانــــــــــــي :وجوب احتــــــــــرام مـــــــــــــبدأ المواجهــــــــــة
هناك من المؤلفين من يرى ان الطعن بالاستناف في القرار الصادر برفض الاعتراف و تنفيذ حكم التحكيم لايستلزم قيام مواجهة بين الخصوم اذا يكتفي القاضي المختص باطعن من التحقيق مرة ثانية من مدى صحة الحكم و اتفاقية التحكيم ومنه يصدر حكما قضائيا سواء بتاييد القرار المطعون فيه او الغائه .(117)
الا ان هذا الراي منتقد ولا يوجد له سند قانوني يقوم عليه ،اذا في الميدان التطبيقي لا يمكن لايمكن العمل به ولو اخذنا به فهذا يعني وجوب وجود طريقة قانونية تسمح للطرف الثاني (المحكوم ضده) من الطعن في القرار الجديد اذا ما الغات المحكمة الاستئنافية القرار الاول وامرة بتنفيذ الحكم (118) فانه من الغير المعقول استصدار قرار جديد بطلب المستانف دون حضور المستانف عليه لان ذلذ يؤدي الى حرمان هذا الاخير من فرصة الطعن في الحكم الصادر ضده و الفاع عن حقه  وهي فرصة  منحها له القانون عند الطعن  بالاستئناف  في القرار الذي يامر بالاعتراف و التنفيذ حسب المادة 458 مكرر 23 من القانون الاجراءات المدنية .
ضافة الى ذلك وعلما لايوحد اي نص قانوني يايد هذا الراي فلو اخذنا به فهذا يعني انه لايبقى للخصم المحكوم ضده سوى طريق واحد للطعن في القرار الجديد في حالة الغاء القرار الاول الرافض للتنفيذ و هو الطعن بالنقض وهذا الامر يعتبر مساسا بمبدا المساواة امام القضاء حيث حرمنا الطاعن من درجة التقاضي (119).
وعلى هذا الاساس فالطعن بالاستناف في قرار الرفض يكون عن طريق التقاضي العادي و المثول امام الجهة المختصة لبداء الدفوع التي يمكن اثارتها من قبل الخصم المستانف عليه طبقا لمبدا المواجهة وتبعا لقواعد الاجراءات المعمول بها (120).
وفي هذا الصدد يتبادر الى الذهن سؤال حول الدفوع الممكن تقديمها من قبل لتاييد قرار الرفض
للإجابة على هذا السؤال ،يقوم بعض الفقه الفرنسي انه من الغير الممكن للخصم إثارة المسائل أو الحالات التي يمكن اثارتها عند الطعن بالاستناف في القرار مدى  الذي يسمح بالتنفيذ أو عند رفع دعوى البطلان الأصلية لان مهمة القاضي المختص بالطعن في هذه الحالة لا تتعدى حدود رقابة مدى الحكم وصحته ومطابقته للنظام العام الدولي حتى يتسنى له  تأييد أو إلغاء محل الطعن  (121).
أما البعض الأخر فيرى عكس ذلك مستدلا بما جاء في النصوص القانونية التي وحدت بين الطعن بالاستناف في القرار الذي يسمح الاعتراف  و التنفيذ و القرار الذي يرفضها في مادة واحدة (122) ،إضافة إلى ما  نص عليه المشرع الفرنسي في المادة 1487 من قانون الإجراءات المدنية التي تسمح للخصم إثارة  كل الأسباب التي يمكن إثارتها عن الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أو الطعن بالاستناف في القرار الذي يسمح التنفيذ دون تميز فيها فيما يخص القرار محل الطعن 123).
و بالعودة إلى التشريع الجزائري الجديد يمكن القول من الوهلة الأولى ،انه لا مجال للأخذ بالحالات  المنصوص عليها على سبيل الحصر في حالة رفض التنفيذ اذا لو اتجهت نية المشرع إلى ذلك لوحد المادتين 458 مكرر 22 و 458 مكرر 32 من قانون الإجراءات المدنية هذا من جهة أخرى فلا نص على الطعنين في مادة واحدة (458 مكرر 24 ) لا يعني توحيد لأسباب الطعن يل توحيد ا للجهة المختصة بهما ولمواعيد رفعهما تكريسا لمبدأ وحدانية الطعون زيادة إلى عدم وجود أي نص قانوني صريح يشابه ما جاءت للمادة 1487 من التشريع الفرنسي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(117) انظر                                                                                           N) Terki – l’arbitrage … - Opcit . page 132
(J) Robert – opcit page 294.
(J)Robert – (B) Moreau ..- Opcit page 11 parag 134.
118) (P) Fouchard – Opcit page 412.
119 – انظر-                                                                                                     (N)Bencheikh – Opcit . page 276 et s .
120                                                                            (P) Fouchard – Opcit . page 412             
121                                                                                                                           Robert – Opcit  page 412 )
122 – انظر المادة 1503 من قنون الاجراءات المدنية الفرنسية
و انظر المادة 458 مكرر24 من قانون الاجراءات المدنية الجزائري .
123 – تنص المادة 1487 من قانون الاجراءات المدنية على مايلي :
 L’appel et le recours en annulation sont formés instruits et jugés selon les régles relatives a la procédure en matiére contentieuse devant la cour d’appel » .
V – 5p° Fouchard -  Opcit. Page 414.
إلا انه ، و محاولة  للتوفيق بين الرائيين ، يمكن إجازات كل دفع يقدمه المستأنف عليه بخصوص عيوب قد توجد في حكم التحكيم منها  ما يمس بالنظام العام ، وكذا كل دفع يمس بوجود اتفاقية التحكيم ، ولما نعلم ان الحالات المنصوص عليها تتصل أساسا في جملتها أما بهذه الاتفاقية و ما بالقواعد الأساسية في التقاضي التي في حالة عدم احترامها ،تؤدي الى عدم صحة الحكم شكلا ، فلا يوجد أي مانع للتمسك بإحدى الحالات المنصوص عليها  في المادة 458 مكرر 23 من قانون الإجراءات المدنية خاصة وانه لا يوجد أيضا أي نص قانوني يقضي بما يخاف ذلك ،شرط  ان يكون الدفع من شانه تأييد قرار الرفض المطعون فيه دون إعادة النظر في موضوع النزاع (124).
أما بالنسبة للمستأنف الذي هو في نفس الوقت المحكوم له ،فيستطيع تأسيس طعنه على أسباب عدة منها خطاء بعدم صحة اتفاقية التحكيم او الحكم او التحكيم .
ولا تعتبر هذه الأسباب بمثابة طلبات جديدة بل هي مشتقة مباشرة من الطلب الاصلي الى وهو طلب تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ،وبالتالي تهدف الى نفس الغاية  مادامت تعمل على تأكيد حقه في طلب الأصلي (125).
ونتيجة لكل ما جاء ،يمكن القول ان المشرع الجزائري لم يولي أهمية كافية لهذه النقطة مثلما  فعله بالنسبة لحالة الطعن بالاستانف في قرار الأمر بالتنفيذ ويمكن تبرير موقفه  على أساس أن الحالة  الرفض اكثر ندرة من حالات التنفيذ نظرا للصلاحيات المحدودة المخولة لقاضي التنفيذ الا ان هذا الموقف مرهون ، في الميدان العلمي ،بالتفسير الملائم للنصوص القانونية و المفاهيم التي تحتويها مثل فكرة الناظم العام الدولي التي لا يجب التوسيع فيها الى عدا اعاقة تنفيذ احكام التحكيم ولما نحن بصدد قانون يعتبر من الضامنات الجوهرية للمستثمر الاجنبي الذي نحن بامس الحاجة الى امواله، كان لا بد من توضيح الامور اكثر لان الندرة لاتعني الانعدام و اللاوجود.
المطلــــــــــــــــــــــــــب الثـــــــــــــــــــــــــاني :الطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعن بالنقــــــــــــــــــــــــــــــض
ان الطعن في الحكم بالنقض طريق غير عادي ،يهدف الى الغاء الحكم فيه لمخالفته للقانون (126)،لذا لا يجوز الطعن الا في الاحوال التي نص عليها القانون على سبيل الحصر (127) كما لا يطرح على المحكمة العليا موضوع النزاع الذي فصلت فيه المحاكم او المجالس القضائية و انما يطرح عليها موضوع اخر هو لحكم القانون و هل طبق القانون تطبيقا صحيحا .(128).
وهذه الطبيعة الخاصة للطعن بالنقض مرجعا ان المحكمة العليا ليست درجة ثالثة و اخيرة من درجات التقاضي تفصل في خصومة وناما هي محكمة قانون مهمتها الاشراف على صحة التطبيق المحاكم على اختلافها للقانون (129).
وعلى هذا الأساس ،أحاز المشرع الجزائري الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من المجالس القضائية المختصة بالنظر في الطعن بالاستناف في القرار الذي يسمح بالتنفيذ او يرفضه وفي دعوى البطلان ضد الحكم التحكيم التي لا تقبل الطعن بالنقض لعدم صدورها من محكام وطنية (130).
وميعاد الطعن ثلاثة اشهر يبدا سريانها من تاريخ الابلاغ بالحكم المطعون فيه (131)، وهنا نشير ان ميعاد الطعن بالنقض هو اصلا شهرين حسب المادة 235 من قانون الاجراءات المدنية الا ان المشرع اضاف شهرا اخر في حالة اقامة احد الخصوم في الخارج فلما نحن بصدد تحكيم تجاري دولي فلا ريب ان يكون مقر اقمة احدهما في الخارج وفقا لما جاءت به  المادة 458 مكرر من قانون الاجراءات المدنية التي عرفت التحكيم الدولي .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
124 – انظر
(A) Redfern – (M)Hunter – Opcit page 374
125- انظر المادة 107 من قانون الاجراءات المدنية
126 – د/ احمد ابو الوفا – المرافعات المدنية و التجارية – المرجع السابق ص 941.
127 انظر المادة 233 من قانون الاجراءات المدنية .
128 د/  محمد احمد العابدين – المرجع السابق ص 353.
و انظر بولشير منحد امقران – المرجع السابق ص 326.
- د/ احمد ابو الوفا – المرجع السابق – صفحة 944 .
129 انظر المادة 231/1 من قانون الاجراءات المدنية .
130- انظر المادة 458 مكرر 28 من قانون الاجراءات المدنية .
131 – انظر المادة 236 من قانون الاجراءات المدنية

و يجب ان تشتمل عريضة الدعوى ،علاوة على البيانات المتعلقة بسماء الخصوم وصفاتهم و موطن كل منهم (132) ،على البيان الاوجه التي بني عليها الطعن و الغرض من ذلك هو مراقبة ما ذا كان الطعن قد بني  على احد الاسباب التي نص عليها القانون على سبيل الحصر حتى يتسنى قبول الطعن او رفضه شكلا ويستوي في ذلك ان يكون الطاعن هو المحكوم له في النزاع الاصلي او هو المحكوم ضده  (133) .
وفي كلتا الحالتين ،يفترض صدور حكم يؤيد حكم التحكيم ويقر صحته فيكون قابلا للتنفيذ (134) اما ان يصدر مؤيد للحكم الذي ابطله او الذي ايد القرار  القاضي الرافض بالتنفيذ و يترتب  عليه عدم امكانية تحقيق الهدف الذي يصبو اليه المحكوم و هو الحجز على اموال خصمه في الجزائر ،غير ان هذا لا يعني ان الحكم يزول بل يبقى قائما و يستطيع صاحبه طلب تنفيذه في بلد اخر ،توجد فيه اموال للمحكوم ضده (135) ويتوقف الامر في ذلك بسبب رفض التنفيذ :
فإذا كان الرفض يعود الة مخالفة للنظام العام الجزائري او كان النزاع مما لا يصح تسويته عن طريق التحكيم ،فالدولة الثانية التي يطلب فيها قد لا ترى في الحكم ما يخالف نظامها العام فتأمر بتنفيذه .
أما إذا كان سبب الرفض يعود الى انتقاء شرط الاحترام مبدءا الدفاع و المواجهة فمن المحتمل إن يرفض الحكم في أي بلد رفع الطلب بذلك لكون هذا الشرط من الضمانات الأساسية التي بنيت عليها الإجراءات التقاضي و المعترف بها عالميا (136).
كما أن الحكم بأبطال حكم التحكيم الصادر بالجزائر قد يكون سببا لرفض التنفيذ في دولة أخرى منظمة إلى اتفاقية نيويورك عملا بمادتها الخامسة فقرة 1 (ه) 137 ،وفي هذه الحالة لا يبقى للمعني بالأمر سوى طرح النزاع مجددا أمام هيئة التحكيم جديدة آو أمام المحاكم الوطنية أن لم يوجد اتفاق على ما يخالف ذلك .
ويتضح مما جاء ،أن القانون  الجديد يؤيد ويكرس الطبيعة القضائية للتحكيم التجاري الدولي الذي يعد قضاء استثنائيا وخاصا يملك فيه الحكم سلطة ذاتية و مستقلة للفصل في المنازاعت التي يطرحها عليه الخصوم ،وقرار التنفيذ لا يعير من هذه الطبيعة شيئا و لا من الحكم الصادر منه لكون قرار التنفيذ ضرورة حتمية  لهيئة الدولة على وظيفة إقامة القضاء بين الخصوم و إجبارهم على التنفيذ وهي وظيفة لا يمكن التنازل عنها لصالح الخواص و بالتالي لا
يعد هذا القرار  إلا مظهرا من مظاهر التعاون بين القضاء الوطني وبين قضاء التحكيم ،ووسيلة لرقابة مدى احترام الضمانات الأساسية للتقاضي وليس تحققا من عدالة المحكم .
و لما كان الفائز في التحكيم يعمل جاهدا على الاعتراف بالحكم الصادر لصالحه و التنفيذ ، عليه فان الطرف الخاسر بالمثل يعمل على إبطاله أو تأييد قرار الرفض بالتنفيذ ،لهذا السبب ، وضع المشرع قواعد خاصة بالطعون في حكم التحكيم ،و بيننا ان التنظيم سعى الى تحقيق وحدانيتها ،شانه في ذلك التشريعات الحديثة واستخلصنا الوسائل القانونية التي تكرسه وهي :
1) النص على عدم قبول الطعنين في ان واحد ،ومن ثمة لما يكون طريق الطعن بالاستئناف مفتوح ،تثار فيه كل الحالات المسموح بها بالطعن على اساسها و التي جاءت على سبيل الحصر ،ونفس الشيء لما يكون الطريق  الطعن بالبطلان هو المسموح به فلا  يجوز الطعن بالاستناف .
2) توحيد  الجهة القضائية بالنظر في الطعون وهي المجلس القضائي الذي صدر في نطاقه الحكم المطعون فيه او القرار الذي يسمح او يرفض تنفيذه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
132 – انظر المادة 241 من قانون الاجراءات المدنية .
133 – تنص المادة 233 من قانون الاجراءات المدنية على مايلي : الطعن بالنقض لايينى الا على احد الاوجه التالية : 1-عدم الاختصاص او تجاوز السلطة ،2-  مخالفة او اغفال قاعدة جوهرية في الاجراءات ، 3 انعدام الاساس القانوني للحكم 4- انعدام او تناقص الاسباب ...."
134 – انظر(H) Motulsky -  optic page 433.   
                                                                                  135- (A) Redfern – (M)Hunter. Opcit 367
136 – Ibid .page 368.
   137 (P) Gourion (G) Peyard Opcit. Page196.
انظر الفقرة  1 (ه) من المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك التي تجيز رفض الاعتراف و تنفيذ حكم التحكيم لما يقيم الخصم الدليل على ان الحكم لم يصبح ملزما للخصوم او الغتهاو اوقفته السلطة المختصة في البلد الذي تم فيه او بموجب قانونه صدر الحكم.



3) توحيد ميعاد قبول دعوى البطلان و ميعاد الطعن بالاستناف.
4) توحيد اثار الطعون بوقف تنفيذ الحكم التنفيذ.
5) قابلية الاحكام الصادر عن المجلس القضائي للطعن بالنقض.
وعليه توصلنا الى نتيجة هي ان الحكم التحكيم  لا يقبل اي طعن عادي في القانون الجزائري وان الطرق المسموح بها لا تتعدد بل تتكامل لتحقيق هدفين :
أولهما مراعاة حقوق الخصوم و السماح لهم بالطعن في حكم التحكيم .
ثانيهما دعم القوة التنفيذية للحكم بحصا سباب الطعن وعدم جواز طرح النزاع من جديد امام القضاء الوطني.























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق